للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليمين الغَمُوسَ لَيْسَ بِالأَمْرِ الهَيِّنِ، فَإِنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ غَمُوسًا لأَنَّهَا تَغْمِسُ الحَالِفَ فِي النَّارِ، وَكَيْفَ لا يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ يَتَقَدَّمُ بِلا اكْتِرَاثِ وَلا مُبَالاةٍ، إِلَى أَحَدِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى فَيَحْلِفُ بِهَا، مُؤَكِّدًا قَوْلَهُ عِنْدَ السَّامِعِ بِهَذَا الحَلِفِ وَلا يُفَكِّرُ أَنَّ هَذَا القَسَمُ العَظِيمُ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ ذَلِكَ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَيُقْلِعَ إِلَى اللهِ وَيَنْدَمَ عَلَى مَا فَعَلَ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَمَّا ضَرَرَهُ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَحْقِ البَرَكَةِ لَهُ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ، وَإِذَا انْتُزِعَتِ البَرَكَة حَلَّ مَحَلَّهَا الفَشَلُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الحَلِفَ مَنْفَقَةٌ لِلسَّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى البَزَّارُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اليمين الفَاجِرَةُ تُذْهِبَ المَالَ – أَوْ قَالَ -: تَذْهَبُ بِالمَالِ» وَإِذَا ذَهَبَ المَالُ خَرِبَ البَيْتُ وَأَصْبَحَ صَاحِبُهُ فِي عِدَادِ الفُقَرَاءِ، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَحَسْبُ الحَالِفِ أَنَّ يَسْمَعَ مَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عَمْرو بنِ العاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقِ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليمين الغَمُوسُ» ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا عَصَى اللهُ بِهِ هُوَ أَعْجَلُ عُقُوبَةً مِنَ البَغْي، وَمَا مِنْ شَيْءٍ أُطِيعَ اللهُ بِهِ أَسْرَعَ ثَوَابًا مِنَ الصِّلَةِ، واليمين الفَاجِرَةُ تَدْعُ الدِّيَارَ بَلاقِعَ» . رَوَاهُ البَيْهَقِي.

ثُمَّ إِنَّ الحَلِفَ بِاللهِ كَذِبًا اسْتِخْفَافًا بِاسمِ اللهِ وَاسْتِهَانَةً بِهِ، وَتَشَبُّهٌ بِحَالِ المُنَافِقِينَ، الذِينَ أَخْبَرَ اللهُ عَمَّا قَالُوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>