والخلائق ينظرون إليك حتى إذا وقفت بين يدي الله تَعَالَى فسئلت عن القليل والكثير والدقيق والجليل والقطمير والنقير ولا تجد أحدًا يجاوب عَنْكَ بلفظة ولا يعينك بكلمة ولا يرد عَنْكَ جوابًا في مسألة.
وأَنْتَ شاهدت من عظم الأَمْر وجلالة القدر وهيبة الحظرة ما أذهب بيانك وأخرس لسانك وأذهل جنانك.
ونظرت يمينًا وشمالاً وبين يديك فلم تر إِلا النار وعملك الَّذِي كنت تعمل وكلمك رب العزة جل جلاله بغير حجاب يحجبك ولا ترجمان يترجم لك.
وكيف تَكُون حيرتك ودهشتك إذا قيل: عاملت فلانَا يوم كَذَا وَكَذَا في كَذَا وَكَذَا وغبنته في كَذَا وَكَذَا وغششته في السلعة الفلانية.
وتركت نصيحته في كَذَا وَكَذَا وبعته السلعة المعيوبة ولم تبين له العيب أو غصبت فلانَا أو ظلمت فلانَا أو قتلت فلانَا أو أعنت فلانَا أو أعنت على قتله أو نحو ذَلِكَ.
وقيل: ما حجتك أقم بينة ائت ببرهان فأردت الكلام فلم تبين وجئت بعذر فلم يستبن هيهات أنى لك الكلام ولم تنقحه وأنى لك بالعذر في الدُّنْيَا لم تصححه قال الله جَلَّ وَعَلا: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} .
فَانْظُرْ في هَذَا الموقف عَنْدَ السؤال بأي بدن تقف بين يدي الله وبأي لسان تجيبه فأعد للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا فما شئت من قلب يخلع ومن كبد تصدع ومن لسان يتلجج ومن أحشاء تتموج ومن نفس تريد أن تخَرَجَ.