للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَى الأَيَّامَ قَدْ مَرَّتْ عَلَيْهِ ... مُرُورَ الرِّيحِ يَدْفَعُهَا الْهَبُوبُ

وَمَا نَفَسٌ يَمُرُّ عَلَيْهِ إِلا ... وَمِنْ جُثْمَانِهِ فِيهِ نَصِيبُ

وَبَيْنَ يَدَيْهِ لَوْ يَدْرِي مَقَامٌ ... بِهِ الْوِلْدَانُ مِنْ رَوْعِ تَشِيبُ

وَهَذَا الْمَوْتُ يُدْنِيهِ إليه ... كَمَا يُدْنِي إِلَى الْهَرَمِ الْمَشِيبُ

مَقَامٌ تُسْتَلَذُّ بِهِ الْمَنَايَا ... وَتُدْعَى فِيهِ لَوْ كَانَتْ تَجِيبُ

وَمَاذَا الْوَصْفُ بَالِغُهُ وَلَكِنْ ... هِيَ الأَمْثَالُ يَفْهَمُهَا اللَّبِيبُ

وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ)

فما ظنك أيها المهمل المفرط في عمره بسكَانَ هذه الدار، ضيقة الأرجَاءَ، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، يخلد فيها الأسير، ويوقَدْ فيها السعير، طعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ * فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} والنزل هُوَ ما يعد للضيف عِنْد قدومه، فدلت هذه الآيات على أن أَهْل النار يتحفون عِنْد دخولها بالأكل من شجرة الزقوم، والشراب من الحميم، وهم إنما يساقون إليها عطاشًا، كما قال تَعَالَى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} ، قال أبو عمران الجوني بلغنا أن أَهْل النار يبعثون عطاشًا يقفون في مشاهد القيامة عطاشًا، ثُمَّ قَرَأَ: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} .

وَقَالَ تَعَالَى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>