أَهْل النار من القيح والصديد، وَقَالَ القرطبي هُوَ عصارة أَهْل النار. وَقَالَ السدي: هُوَ الَّذِي يسيل من دموع أَهْل النار يسقونه من الحميم، وقوله:{وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} أي عذاب آخر، أو مذوق آخر، أو نوع آخر من شكل الْعَذَاب.
ومعنى {أَزْوَاجٌ} : أجناس، وأنواع، وأشباه، ونظائر. وقيل: هُوَ الزمهرير، وقوله:{هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ} الآيَة أي الأتباع داخلون معكم بشدة، والاقتحام: الالقاء في الشَيْء بشدة، فَإِنَّهُمْ يضربون بمقامَعَ من حديد، حتى يقتحموها بأنفسهم خوفًا من تلك المقامَعَ، فأخبر جَلَّ وَعَلا عن قيل أَهْل النار، بَعْضهمْ لبعض كما قال تَعَالَى في الآيَة الأخرى:{كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} .
فبدل السَّلام يتلاعنون، ويتكاذبون، ويكفر بَعْضهمْ ببعض، فَتَقُول الطائفة الأولى دخولاً للتي بعدها: لا مرحبًا بِهُمْ. أي: لا اتسعت منازلهم في النار، والرحب والسعة. والمعنى: لا كرامة لَهُمْ، وهَذَا إخبار من الله جَلَّ وَعَلا بانقطاع الْمَوَدَّة بينهم وأن مودتهم في الدُّنْيَا تصير عداوة، كما قال في الآيَة الأخرى:{الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} .
فتأمل حال أولئك التعساء الَّذِينَ كَانَ بَعْضهمْ يملي لبعض في الضلال، كيف تناكروا، وتلاعنوا في جهنم، وأصبحوا يتقلبون في أنواع الْعَذَاب، ويعانون في جهنم ما لا تطيقه الجبال وما يفتت ذكره الأكباد، يقتحمون إلى جهنم إقتحامًا.
ويتجلجلون في مضائقها، ويتحطمون في دركاتها، ويضطربون بين غواشيها، ويطوفون بينها وبين حميم آن، ولا تسأل عما يعانونه من ثقل السلال والأغلال، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ