للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يقطع لنا مالاً نرمها به فعل، فكتب عمر إليه: إذا قرأت كتابي ها فحصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم فإنه عمارتها.

وقيل: الدين والملك إِخْوَان توأمان لا قوام لأحدهما إِلا بصاحبه، لأن الدين أساس الملك، ثُمَّ صار الملك بعد حارسًا للدين فَلا بُدَّ للملك من أساس، ولا بد للدين من حارس، وما لا حارس له فهو ضائع، وما لا أساس له فهو مهدوم.

كَانَ جماعة من الملوك يوعظون فيؤثر الوعظ في قُلُوبهمْ فيخرجون من ملكهم ودنياهم ويزهدون وكَانَ فيهم من يتفكر في نَفْسهُ ويعلم انقطاع الدُّنْيَا عَنْهُ وقرب رحيله منها ويخاف شدة الحساب وأهوال القيامة وما إلى ذَلِكَ فينفر من الدُّنْيَا ويزهد في الولاية وكل من تدبر القرآن وتأمل أحوال من مضى لا بد أن يتأثر ويتجافى عن الدُّنْيَا ولكن مقل ومكثر إِلا من عميت بصيرته.

شِعْرًا:

يَا خَدُّ إِنَّكَ إِنْ تُوسَدَ لَيِّنًا ... وُسِّدْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ صُمَّ الْجَنْدَلِ

فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ صَالِحًا تَسْعَدْ بِهِ ... فَلَتَنْدَمَنَّ غَدًا إِذَا لَمْ تَفْعَلِ

قال تَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} ، وَقَالَ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} .

قال تَعَالَى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} ، وَقَالَ: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} .

روى ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: بينما رجل ممن كَانَ قبلكم في مملكته تفكر فعلم أن ذَلِكَ منقطع عَنْهُ وأن الَّذِي هُوَ فيه قَدْ شغله عن عبادة ربه تَعَالَى فخَرَجَ ذات ليلة من قصره فأصبح في مملكة غيره فأتى ساحل البحر وكَانَ يضرب اللبن بالأجرة فيأكل ويتصدق بالفضل من قوته فلم يزل كَذَلِكَ حتى رفع إلى ملك تلك الناحية.

فأرسل الملك إليه أن يأتيه فأعاد إليه الرَّسُول فأبى وَقَالَ: ماله وإياي فركب الملك فَلَمَّا رآه الرجل ولى هاربًا فَلَمَّا رأى ذَلِكَ الملك جد في أثره فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>