وَمَضَى ?، حَتَّى جَاءَ بَيْتَهُ، فَمَا نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ إِلا حَمْلاً، ثُمَّ مَشَى يَتَحَامَلُ عَلَى السَّعْدَيْنِ، سَعْدِ بن عُبَادَةَ، وَسَعْدِ بن مُعَاذٍ، حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، فَلَمَّا أَذَّنَ بِلالٌ لِصَلاةِ الْمَغْرِب خَرَجَ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ، يَتَوَكَّأُ عَلَى السَّعْدَيْنِ، فَصَلَّى ثُمَّ عَادَ إِلى بَيْتِهِ، وَبَاتَ وُجُوهُ الأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ عَلَى بَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ، يَحْرِسُونَهُ، مَخَافَةَ أَنْ تَكِرَّ قُرَيْشٌ، وَهُمْ غَافِلُونَ.
وَقَالَ كَعْب بن مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَة بن عَبْدِ الْمُطَّلِب:
طَرَقَتْ هُمُومُكَ فَالرُّقَادُ مُسَهَّدُ ... وَجَزِعْتَ أَنْ سُلِخَ الشَّبَابُ الأَغْيَدُ
وَدَعَتْ فُؤَادَكَ لِلْهَوَى ضَمَرِيَّةٌ ... فَهَوَاكَ غُورِيٌّ وَصَحْبُكَ مُنْجِدُ
فَدَعِ التَّمَادِيَ في الْغَوايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ في طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ
وَلَقَدْ أَتَى لَكَ أنْ تَنَاهِيَ طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقُ إِذَا نَهَاكَ الْمُرْشِدُ
وَلَقَدْ هُدِدْتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هُدَّةً ... ظَلَّتْ بَنَاتْ الْجَوْفِ مِنْهَا تَرْعُدُ
وَلَوَ أنَّهُ فَجِعَتْ حِراءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتَ رَأْسَيْ صَخْرِهَا يَتَبَدَّدُ
قَرْمٌ تَمَكَّنَ فِي ذُئَوَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النُّبُوَّةُ وَالنَّدَى وَالسُّؤْدُدُ
وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلادَ إِذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ
وَالتَّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيَّ مُجَدَّلاً ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ والْقَنَا يَتَفَصَّدُ
وتَراهُ يَرْفُلُ في الحديدِ كَأَنَّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ البراثِنِ أَرْبَدُ
عَمُّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَصَفِيُّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ
وَأَتَى الْمَنِيَّةَ مُعَلِمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النَّبِيَّ ومِنْهُمُ الْمُسْتَشْهِدُ
ولَقَدْ أخالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشِّرَتْ ... لتُميتَ داخِلَ غُصَّةٍ لا تَبْرُدُ
مِمّا صَبَحْنَا بالعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغيَّبَ فيهِ عَنْها الأَسْعَدُ
وبِبِئرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدُّ وُجُوهَهُمْ ... جِبْريلُ تَحْتَ لوائِنا وَمُحَمَّدُ
حَتَّى رَأَيْتُ لَدَى النَّبيِّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ نَقتُلُ مَنْ نَشَاء وَنَطْرُدُ