للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ اللهُ تَعَالى (٣: ١٧٩) : {مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} أَيْ مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُنَافِقِينَ، حَتَّى يُمَيِّزَ أَهْلَ الإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ كَمَا مَيَّزَهُمْ بِالْمِحْنَةِ يَوْمَ أُحُدٍ {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} الذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ فَإِنَّهُمْ مُتَمَيِّزُونَ فِي عِلْمِهِ وَغَيْبِهِ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يُمَيِّزَهُمْ تَمْيِيزًا مَشْهُودًا، فَيَقَعُ مَعْلُومُهُ الذِي هُوَ غَيْبٌ شِهَادَةٌ، وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ} اسْتِدْرَاكْ لِمَا نَفَاهُ، مِنْ إطْلاعِ خَلْقِهِ عَلَى الْغَيْبِ كَمَا قَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} فَحَظَّكُم أَنْتُمْ وَسَعَادَتُكم فِي الإِيمان بِالْغَيْبِ الذِي يُطْلِعُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ، فَإِنْ آمِنْتُمْ بِهِ وَاتَّقَيْتُم كَانَ لَكُمْ أَعْظَمُ الأَجْرِ وَالْكَرَامَةِ.

وَمِنْهَا: اسْتِخْرجُ عُبُودِيَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَحِزْبِهِ فِي السَّرَاءِ وَالضَّرَاءِ وَفِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ، وَفِي حَالِ ظَفَرِهِمْ، وَفِي حَالِ ظَفَرِ أَعْدَائِهِمْ بِهِمْ، فَإِذَا ثَبَتُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فِيمَا يُحِبُّونَ وَمَا يَكْرَهُونَ، فَهُمْ عَبِيدُهُ حَقًّا وَلَيْسُوا كَمَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِن السَّرَاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالْعَافِيَةِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوْ نَصَرَهُمْ دَائِمًا، وَأَظْفَرَهُمْ بِعَدُوِّهِمْ، فِي كُلِّ مَوْطِن، وَجَعَلَ لَهُمْ التَّمَكُنَ، وَالْقَهْرَ لأَعْدَائِهِمْ أَبَدًا لَطَغَتْ نُفُوسُهُمْ، وَشَمَخَتْ وَارْتَفَعَتْ، فَلَوْ بَسَطَ لَهُمْ النَّصْرُ وَالظَّفَرَ لَكَانُوا فِي الْحَالِ الَّتِي يَكُونُوا فِيهَا لَوْ بَسَطَ لَهُمْ الرِّزْقُ فَلا يُصْلِحُ عِبَادَهُ إلا السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ، والشِّدَّةُ والرَّخَاءُ، وَالقَبْضُ وَالبَسْطُ فَهُوَ المُدَبِّرُ لأَمْرِ عِبَادِهِ كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ إِنَّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِير.

<<  <  ج: ص:  >  >>