وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ إِذَا امْتَحَنَهُمْ بِالْغَلَبَةِ، وَالْكَسْرَةِ وَالْهَزِيمَةَ، وَذُلُّوا وَانْكَسَرُوا وَخَضَعُوا؛ فَاسْتَوْجَبُوا مِنْهُ الْعِزَّةِ وَالنَّصْرَ، فَإِنَّ خِلْعَةَ النَّصْرِ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ وَلايَةِ الذُّلِّ وَالانْكِسَارِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} ، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً} فَهُوَ سُبْحَانَهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِزَّ عَبْدَهُ وَيَجْبُرَهُ وَيَنْصُرَهُ، كَسَرَهُ أَوَّلاً وَيَكُونُ جِبْرُهُ لَهُ وَنَصْرُهُ عَلَى مِقْدَارِ ذُلِّهِ وَانْكِسَارِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمَنِينَ مَنَازِلَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ لَمْ تَبْلُغْهَا أَعْمَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُونُوا بَالِغِيهَا إِلا بِالْبَلاءِ وَالْمِحْنَةِ، فَقَيَّضَ لَهُمْ الأَسْبَابَ الَّتِي تُوصِلُهُمْ إِلَيْهَا، مِنْ ابْتِلائِهِ وَامْتِحَانِهِ، كَمَا وَفَّقَهُمْ للأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ وُصُولِهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ النَّفُوسَ تَكْتَسِبُ مِنْ الْعَافِيَةِ الدَّائِمَةِ، وَالنَّصْرِ وَالْغِنَى طُغْيَانًا وَرُكُونًا إِلى الْعَاجِلَةِ، وَذَلِكَ مَرَضٌ يَعُوقُهَا عَنْ جِدِّهَا فِي سَيْرهَا إِلى اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَرَادَ بِهَا رَبُّهَا وَمَالِكُهَا وَرَاحِمُهَا كَرَامَتَهُ، قَيَّضَ لَهَا مِنْ الإبْتِلاءِ وَالإِمْتِحَانِ مَا يَكُونُ دَوَاءً لِذَلِكَ الْمَرَض الْعَائِق عَن السَّيْر الْحَثِيثِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبِلاءِ وَالْمِحْنَةِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبِيبِ يَسْقِي الْعَلِيلَ الدَّوَاءَ الْكَرِيه وَيَقْطَعُ مِنْهُ الْعُرُوقَ الْمُؤْلِمَةِ، لاسْتِخْرَاجِ الأَدْوَاءِ مِنْهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَغَلَبَتْهُ الأَدْوَاءُ، حَتَّى يَكُونَ فِيهَا هَلاكُهُ.
اللَّهُمَّ أَنظِمْنا في سِلكِ حِزبِكَ المُفلِحِين، واجْعلنا مِنْ عبادِكَ المُخْلِصين وآمِنَّا يومَ الفَزَع الأكَبرِ يومَ الدِين، واحْشُرْنَا مَعَ الذين أَنْعَمْتَ عَليهَم مِنَ النَبيين والصِّدِّيقين والشُهداء والصَّالِحِينِ، واغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الأَحياءِ منهمْ والميتينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِِ أَجْمَعِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute