الَّتِي اقْتَضَتْ إِدَالَةَ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} فَقَدْ اسْتَوَيْتُمْ فِي الرَّجَاءِ وَالثَّوَابِ، كَمَا قَالَ (٤: ١٠٤) : {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} فَمَا بَالَكُمْ تَهِنُونَ وَتَضْعُفُونَ عِنْدَ الْقَرْحِ وَالأَلَمِ فَقَدْ أَصَابُوا ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الشَّيَطَانِ وَأَنْتُمْ أَصَبْتُمْ فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي.
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُدَاوِلُ أَيَّامَ هَذِهِ الْحَيَاةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَنَّهَا عَرَضُ حَاضِرٌ يَقْسِمُهَا دُوَلاً بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدائِهِ، بِخِلافِ الآخِرَةِ، فَإِنَّ عِزَّهَا وَنَصْرَهَا وَرَجَاءَهَا خَالِصٌ لِلذِينَ آمنُوا.
ثُمَّ ذَكَرَ حِكمَةً أُخْرَى وَهِيَ اتِّخَاذُهُ سُبْحَانَهُ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ الشُّهَدَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ أَعْلَى الْمَنَازِلِ، وَأَفْضَلَهَا وَقَدْ اتَّخَذَهُمْ لِنَفْسِهِ، فَلا بُدَّ أَنْ يُنِيلَهُمْ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالى: {وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} تَنْبِيهٌ لَطِيفُ الْمَوْقِعِ جِدًا عَلَى كَرَاهَتِهِ وَبُغْضِهِ لِلْمُنَافِقِينَ، الذين انْخَذَلُوا عَنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يَشْهَدُوهُ، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْهُمْ شُهَدَاءَ، لأَنَّهُ لَمْ يُحِبَّهُمْ فَأَرْكَسَهُمْ وَرَدَّهُمْ، لِيَحْرِمَهُمْ مَا خَصَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَمَا أَعْطَاهُ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ، فَثَبَّطَ هَؤُلاءِ الظَّالِمِينَ عَنِ الأَسْبَابِ الَّتِي وَفَّقَ لَهَا أَوْلِيَاءه وَحِزْبَهُ.
ثُمَّ حِكْمَةً أُخْرَى فِيمَا أَصَابَهُمُ مِن الذُّنُوبِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهِيَ تَمْحِيصُ الذِينَ آمِنُوا وَهُوَ تَنْقِيَتَهُمْ وَتَخْلِيصُهُمْ مِن الذُّنُوبِ، وَمِنْ آفَاتِ النُّفُوسِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ وَقْعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ مُقَدَّمَة وَإرْهَاصًا بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِ النَّبِيِّ ? فَنَبَأَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى انْقِلابِهِمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ إِنْ مَاتَ رَسُولُ اللهِ ?، أَوْ قُتِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute