للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ اسْتُشْهِدُوا أَعِزَةً كِرَامًا مُقْبِلِينَ غَيْرَ مُدْبِرِينَ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الآية تَتَنَاوَلُ الْفَرِيقِينَ كَلِيْهِمَا، ثُمَّ أَخْبَر سُبْحَانَهُ عَمَّا اسْتَنْصَرَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ وَأُمَمِهِمْ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنْ اعْتِرَافِهِمْ وَتَوْبَتِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ رَبَّهُمْ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْ يَنْصُرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ فَقَالَ: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

لَمَّا عَلِمَ الْقَوْمِ أَنَّ الْعَدُوَّ إِنَّمَا يُدَالُ عَلَيْهِمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنَّ الشَّيَطَانَ إِنَّمَا يَسْتَزِلُّهُمْ وَيَهْزِمُهُمْ بِهَا، وَأَنَّها نَوْعَانِ تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ، أَوْ تَجَاوُزٌ لِحَدٍ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَنُوطٌ بِالطَّاعَةِ، {قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إِنْ لَمْ يُثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَيَنْصُرَهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا هُمْ عَلَى تَثْبِيتِ أَقْدَامِ أَنْفُسِهِمْ، وَنَصْرهَا عَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَسَأَلُوهُ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ بِيَدِهِ دُونَهُمْ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُثَبّتْ أَقْدَامَهُمْ وَيَنْصُرَهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا، وَلَمْ يَنْتَصِرُوا.

ثُمَّ ذَكَرَ حِكْمَةً أُخْرَى وَهِيَ: أَنْ يَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ مِن الْمُنَافِقِينَ فَيَعْلَمُهُمْ عِلْمَ رُؤْيَةٍ وَمُشَاهَدَةٍ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا مَعْلُومِينَ فِي غَيْبِهِ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ الْغَيْبِي لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ، وَلا عِقَابٌ، وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى الْمَعْلُومِ، إِذَا صَارَ مُشَاهِدًا وَاقِعًا فِي الْحِسِّ.

فَوَفَّوْا الْمَقَامَيْنِ حَقَّهُمَا، مَقَامَ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ: التَّوْحِيدُ وَالالْتِجَاءِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَمَقَامِ إِزَالَةِ الْمَانِعِ مِن النُّصْرَةِ، وَهُوَ: الذُّنُوبِ وَالإِسْرَافِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ طَاعَةِ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إِنْ أَطَاعُوهُمْ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.

شِعْرًا: ... لَعَمْري مَا الرَّزِيَّةِ فَقْدُ مَالٍ ... يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ مُعْدِمِينَا

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةِ فَقْدُ دِينٍ ... يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ كَافِرِينَا

<<  <  ج: ص:  >  >>