للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِكَلِمَةٍ أَطَارَتْ عَقْلَ الْفَتَى عُمَيْرِ مِنْ كِبَرِهَا إِذَا سَمِعَهُ يَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِهِ: (إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النُّبُوَّةِ فَنَحْنُ شَرٌّ مِنْ الْحَمِيرِ) لَقَدْ انْدَهَشَ عُمَيْرٌ مِمَّا سَمِعَ فَمَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّ رَجُلاً عَاقِلاً كَبِيرَ السِّنِّ يَنْطِقُ بِمِثْل هَذِهِ الْكَلِمَةِ الَّتِي تُخْرِجُ قَائِلَهَا عَنْ الإِيمَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ.

ذَهَبَ عُمَيْرُ بنُ سَعَدٍ يُفَكّرُ فِي تِجَاهِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ الْفَظِيعَةِ الْمُوبقَةِ فَرَأى أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ الْجُلاسِ وَالسَّتْرَ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ وَإِضْرَارًا بِالإِسْلامِ الذِي يَكِيدُ لَهُ الْمُنَافِقُونَ.

وَرَأَى أَنَّ فِي إِخْبَارِهِ فِيمَا سَمِعَ مِنْ الْجُلاسِ عُقُوقًا بِالرَّجُلِ الذِي يُنْزِلُه مِنْ نَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ فَالْجُلاسُ هُوَ الذِي كَفَلَهُ يَتِيمًا وَرَبَّاهُ وَعَوَّضَهُ عَنْ فَقْدِ أَبِيهِ.

فَاخْتَارَ النَّصِيحَةَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَالْتَفَتَ إِلى الْجُلاسِ: وَقَالَ وَاللهِ يَا جُلاسُ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، فَأَنْتَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَجَلُّهُمْ إِلَيَّ يَدَا وَأَعْظَمُهم نِعْمَة عَلَيَّ.

وَلَقَدْ قُلْتَ مَقَالَةً إِنْ ذَكَرْتُهَا فَضَحْتُكَ، وَإِنْ أَخْفَيْتُهَا خُنْتَ أَمَانَتِي وَأَهْلَكْتُ نَفْسِي وَدِينِي وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى أَنْ أَمْضِي إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخْبِرَه بِمَا قُلْتَ فَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِكَ. ثُمَّ مَضَى عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ إِلى الْمَسْجِدِ وَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَمِعَ مِنْ الْجُلاسِ بنِ سُوَيْدٍ فَأَقْعَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ وَأَرْسَلَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ إِلى الْجُلاسِ يَدْعُوه أَنْ يَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>