وَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ حَتَّى جَاءَ الْجُلاسُ فَحَيَّا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مَقَالَةُ سَمِعَهَا مِنْكَ عُمَيْرُ بنُ سَعْدٍ)) وَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَهُ فَقَالَ: كَذِبَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ وَافْتَرَى فَمَا تَفَوَّهْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَجَعَلَ الصَّحَابَةُ يُدِيرُونَ أَبْصَارَهُم فِي الْجُلاسِ وَعُمَيْرِ بنِ سَعْدٍ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْرَءُوا عَلَى صَحِيفَتَيْ وَجْهَيْهِمَا مَا يُكُنِّهُ صَدْرَاهُمَا وَجَعَلُوا يَتَهَامَسُونَ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: فَتَىً عَاقٌّ أَبَى إِلا أَنْ يُسِيءَ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّهُ غُلامٌ نَشَأَ فِي طَاعَةِ اللهِ وَإِنَّ مَلامِحَ وَجْهِهِ لَتَنْطِقُ بِصِدْقِهِ، وَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَيْرٍ فَرَأى وَجْهَهُ قَدْ احْتَقَنَ بِالدَّمِ وَالدُّمُوعُ تَنْحَدِرُ مِدْرَارًا مِنْ عَيْنَيْهِ فَتَتَسَاقَطُ عَلَى خَدَّيْهِ وَصَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيِّكَ بَيَانَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ يُكِرِّرُهَا فَانْبَرَى الْجُلاسُ وَقَالَ: إِنَّ مَا ذَكَرْتُه لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ الْحَقُّ وَإِنْ شِئْتَ تَحَالَفْنَا بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِنِّي أَحْلِفُ بِاللهِ أَنِّي مَا قُلْتَ شَيْئًا مِمَّا نَقَلَهُ لَكَ عُمَيْرٌ فَمَا أَنِ انْتَهَى مِنْ حَلِفِه وَأَخَذَتْ عُيُونَ النَّاسِ تَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلى عُمَيرِ بن سَعْدٍ حَتَّى غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّكِينَةُ.
فَعَرَفَ الصَّحَابَةُ أَنَّهُ الْوَحْي فَلَزِمُوا أَمَاكِنَهُمْ وَسَكَنَتْ جَوَارِحُهم وَلاذُوا بِالصَّمْتِ وَتَعَلَّقَتْ أَبْصَارُهمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَا ظَهَرَ الْخَوْفُ وَالْوَجَلُ عَلَى الْجُلاسِ وَبَدَا التَّلَهُّفُ وَالتَّشَوُّقُ عَلَى عُمَيْرٍ ثُمَّ سُرَّى عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَلا قَوْلَ اللهِ تَعَالى: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute