فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي مَالِكَ وَأَهْلِكَ وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ فَدَلَّهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يَتَّجِرُ وَبَعْدَ مُدَّة اجْتَمَعَ لَدَيْهِ مَالٌ فَتَزَوَّجَ وَجَاءَ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الطِّيْبِ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ» . (وَهِيَ كَلِمَةٌ يَمَانِيَّةٌ تُفِيدُ التَّعَجُّبَ) فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ. فَقَالَ: ((وَمَا أَعْطَيْتَ زَوْجَتَكَ مِنْ الْمَهْرِ)) . قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ.
قَالَ: ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي مَالِكَ)) . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَقْبَلَتْ الدُّنْيَا عَلَيَّ حَتَّى رَأَيْتُنِي لَوْ رَفَعْتُ حَجَرًا لِتَوَقَّعْتُ أَنْ أَجِدَ تَحْتَهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقَدْ جَاهَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَوْمِ أُحُدٍ ثَبَتَ حَتَّى زُلْزِلَتْ أَقْدَامُ الْمُشْرِكِينَ وَصَمَدَ حِينَ فَرَّ الْمُنْهَزِمُونَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَفِيهِ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ جُرْحًا.
وَلَكِنَّ جِهَادَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِنَفْسِهِ قَلِيلٌ إِذَا قِيسَ بِجِهَادِهِ بِمَالِهِ، فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَهِّزَ سَرِيَّةً وَقَالَ: «تَصَدَّقُوا فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بَعْثًا» .
فَبَادَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَانْطَلَقَ إِلى مَنْزِلِهِ وَعَادَ مُسْرِعًا وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي أَرْبَعَةُ آلافٍ أَلْفَانِ مِنْهُمَا أَقْرَضْتُهَا رَبِّي وَأَلْفَانِ تَرَكْتُهُمَا لِعِيَالِي فَقَالَ لََهُ رَسُول اللهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ)) .
وَلَمَا عَزَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَزْوَةِ تَبُوكٍ كَانَتْ الْحَاجَةُ إِلى الْمَالِ لا تَقِلُّ عَنْ الْحَاجَةِ إِلى الرِّجَالِ فَجَيْشُ الرُّومِ وَافِرُ الْعَدَدِ كَثِيرُ الْعُدَدِ وَالسَّنَةُ فِي الْمَدِينَةِ سَنَةُ جَدْبٍ وَالسَّفَرُ طَوِيلٌ وَالْمُؤْنَةُ قَلِيلَةٌ وَالرَّوَاحِلُ أَقَلُّ.
حَتَّى إِنَّ نَفَرًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ جَاءُوا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَهُ فِي حُرْقَةٍ أَنْ يَأْخذَهُمْ مَعَهُ فَرَدَّهُمْ لأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا يُحْمِلهُمْ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute