ولما بلغوا عاصمةَ كِسْرَى في المدائن استأذنوا بالدُّخولِ عليه فأَذِنَ لهم، ثم دَعا التَّرْجُمَانَ فَقَالَ لَهُ: سَلْهُمْ ما الذي جاءَ بِكم إِلى دِيَارِنَا وَأَغْرَاكُمْ بِغَزْوِنَا؟! لَعَلَّكُمْ طَمِعْتُمْ بِنَا وَاجْتَرَأْتُمْ عَلَيْنَا لأَنَّنَا تَشَاغَلْنَا عنكم، ولم نَشَأْ أَنْ نَبْطِشَ بِكُمْ.
فالْتَفَتَ النَّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ إِلى مَنْ مَعَهُ وَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَجَبْتُهُ عَنْكُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَكَلَّمَ آثَرْتُهُ بِالْكلام.
فَقَالُوا: بَلْ تَكَلَّمْ، ثم الْتَفَتُوا إِلى كِسْرَى وَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُل يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِنَا فَاسْتَمِعْ إِلى مَا يَقُول.
فَحَمِدَ النُّعْمَانُ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله رَحِمَنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً يَدُلُّنَا عَلَى الْخَيْرِ وَيَأْمرُنَا بِهِ، وَيُعَرِّفُنَا الشَّرَّ وَيَنْهَانَا عَنْهُ. وَوَعَدَنَا - إِنْ أَجَبْنَاهُ إِلى مَا دَعَانَا إِلَيْهِ - أَنْ يُعْطِينَا الله خَيْرِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
فَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ حَتَّى بَدَّلَ الله ضِيقَنَا سِعَةً، وَذِلَّتَنَا عِزَّةً، وَعَدَاوَاتِنَا إِخَاءً وَمَرْحَمَةً.
وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَ النَّاسَ إِلى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَأَنْ نَبْدَأَ بِمَنْ يُجَاوِرُنَا. فَنَحْنُ نَدْعُوكُم إِلى الدُّخُولِ فِي دِينَنَا وَهُوَ دِينٌ حَسَّنَ الْحَسَنَ كُلَّهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ، وَقَبَّح الْقَبِيحَ كُلَّهُ وَحَذَّرَ مِنْهُ، يَنْقُلُ مُعْتَنِقِيهِ مِنْ ظَلامِ الْكُفْرِ وَجُورِه إِلى نُورِ الإِيمَانِ وَعَدْلِهِ.
فَإِنْ أَجْبُتُمونا إلى الإِسْلامِ خَلَّفَنَا فِيكُمْ كِتَابَ الله وَأَقَمْنَاكُمْ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْ تَحْكُموا بِأَحْكَامِهِ، وَرَجَعْنَا عَنْكُمْ وَتَرَكْنَاكُمْ وَشَأْنَكم.
فَإِنْ أَبَيْتُمُ الدُّخُولَ فِي دِينِ اللهِ أَخَذْنَا مِنْكُمْ الْجِزْيَةَ وَحَمَيْنَاكُمْ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ حَارَبْنَاكُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute