للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاسْتَشَاطَ يَزْدَجُرْدُ غَضَبًا وَغَيْظًا مِمَّا سَمِعَ، وَقَالَ: إِنِّي لا أَعْلَمُ أُمَّةً فِي الأَرْضَ كَانَتْ أَشْقَى مِنْكُمْ وَلا أَقَلَّ عَدَدًا، وَلا أَشَدَّ فُرْقَةً، وَلا أَسْوَأُ حَالاً.

وَقَدْ كُنَّا نَكِلُ أَمْرَكُمْ إِلى وُلاةِ الضَّوَاحِي فَيَأْخُذُونَ لَنَا الطَّاعَةَ منكم ...

ثُمَّ خَفَّفَ شَيْئًا مِنْ حِدَّتِهِ وَقَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ هِي الَّتِي دَفَعَتْكُمْ إِلى الْمَجِيءِ إِلَيْنَا أمَرْنَا لَكُمْ بِقُوتٍ إِلى أَنْ تُخْصِبَ دِيَارُكم، وَكَسَوْنَا سَادَتَكُمْ وَوُجوهَ قَوْمِكم، وَمَلَّكْنَا عَلَيْكُمْ مَلْكًا مِنْ قِبَلِنَا يَرْفِقُ بِكِمْ.

فَرَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْوَفْدِ رَدًّا أَشْعَلَ نَارَ غَضَبِهِ مِنْ جديدٍ فَقَالَ: لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُمْ.

قُومُوا فَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ عِنْدِي، وَأَخْبِرُوا قَائِدَكُمْ أَنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْهِ (رُسْتُمَ) حَتَّى يَدْفِنَهُ وَيَدْفِنَكُمْ مَعَهُ فِي خَنْدَقِ الْقَادِسِيَّةِ.

ثُمَّ أَمَرَ فَأُتِيَ لَهُ بِحِمْلِ تُرَابٍ وَقَالَ لِرِجَالِهِ: حَمِّلُوهُ عَلَى أَشْرَفِ هَؤُلاءِ وَسُوقُوهُ أَمَامَكم عَلَى مَرأىً مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَبْوَابِ عَاصِمَةِ مُلْكِنَا.

فَقَالُوا لِلْوَفْدِ: مَنْ أَشْرَفُكُمْ؟ فَبَادَرَ إِلَيْهِمْ عَاصِمُ بنُ عُمَرَ وَقَالَ: أَنَا فَحَمَّلُوهُ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَدَائِن، ثُمَّ حَمَّلَهُ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَخَذَهُ مَعَهُ لِسَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَبَشَّرَهُ بَأَنَّ الله سَيَفْتَحُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دِيَارَ الْفُرْسِ وَيُمَلِّكُهُمْ تُرَابَ أَرضِهِم.

ثُمَّ وَقَعَتْ مَعْرَكَةُ الْقَادُسِيَّةِ، وَاكْتَظَّ خَنْدَقُهَا بِجُثَثِ آلافِ الْقَتْلَى، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا كَانُوا مِنْ جُنُودِ كِسْرَى.

لَمْ يَسْتَكِنِ الْفُرْسُ لِهَزِيمَةِ الْقَادِسِيَّةِ، فَجَمَعُوا جُمُوعَهُمْ وَجَيَّشُوا جُيُوشَهمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>