للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى اكْتَمَلَ لَهُمْ مَائَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفًا مِنْ أَشِدَّاءِ الْمُقَاتِلِينَ.

فَلَمَّا وَقَفَ الْفَارُوقُ عَلَى أَخْبَارِ هَذَا الْحَشْدِ الْعَظِيمِ، عَزَمَ عَلَى أَنْ يَمْضِي إِلى مُوَاجَهِةِ هَذَا الْخَطَرِ الْكَبِيرِ بِنَفْسِهِ.

وَلِكِنَّ وُجُوهَ الْمُسْلِمِينَ ثَنوْهُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ قَائِدًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا الأَمْرِ الْجَلِيل.

فَقَالَ عمرُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ بِرَجُلٍ أُوَلِّيهِ ذَلِكَ الثَّغْرَ.

فَقَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ بِجُنْدِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَقَالَ: وَاللهِ لأُوَلِّيَنَّ عَلَى جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ رَجُلاً يَكُونُ - إِذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ - أَسْبَقَ مِنْ الأَسِنَّةِ، وَهُوَ النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ.

فَقَالُوا: هُوَ لَهَا.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُول:

مِنْ عَبْدِ الله عمَر بنِ الْخَطَّابِ إِلى النُّعْمَانِ بنِ مُقَرِّن.

أَمَّا بَعْد، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ جُمُوعًا مِن الأَعَاجِمِ، كَثِيرَةً قَدْ جَمَعوا لَكُمْ بِمَدِينَةِ (نَهَاوَنْد) فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَسِرْ بَأَمْرِ اللهِ، وَبِعَوْنِ اللهِ، وَبِنَصْرِ اللهِ بِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تُوطِئْهُمْ وَعْرًا فَتُؤْذِيهِمْ ... فَإِنَّ رَجُلاً وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ.

هَبَّ النُّعْمَانِ بن مُقَرِّنٍ بِجَيْشِهِ لِلِقَاءِ الْعَدِوِّ، وَأَرْسَلَ أَمَامَهُ طَلائِعَ مِنْ فُرْسَانِهِ لِتَكْشِفَ لَهُ الطَّرِيقَ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْفُرْسَانُ مِنْ (نَهَاوَنْدَ) تَوَقَّفَتْ خُيُولَهُمْ، فَدَفَعُوهَا فَلَمْ تَنْدَفِعْ، فَنَزَلُوا عَنْ ظُهُورِهَا لِيعَرِفُوا الْخَبَرَ فَوَجَدُوا فِي حَوَافِرِ الْخَيْلِ شَظَايَا مِنْ الْحَدِيدِ تُشْبِهُ رُؤوسَ الْمَسَامِيرِ فَنَظَرُوا فِي الأَرْضِ فَإِذَا الْعَجَمُ قَدْ نَثَرُوا فِي الدُّرُوبِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلى (نَهَاوَنْدَ) حَسَكَ الْحَدِيدِ، لِيَعوقوا الْفُرْسَانَ وَالْمُشَاةَ عَنْ الْوُصُولِ إِلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>