للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْبَرَ الْفُرْسَانُ النُّعْمَانَ بِمَا رَأَوْا، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَمُدَّهُمْ بِرَأْيِهِ، فَأَمَرَهُمْ بَأَنْ يَقِفُوا فِي أَمَاكِنِهِمْ، وَأَنْ يُوقِدُوا النِّيرَانَ فِي اللَّيْلِ لِيَرَاهُمُ الْعَدُوُّ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَظَاهُرُونَ بِالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْهَزِيمَةِ أَمَامَه لِيُغْرُوهُ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ وَإِزَالَةِ مَا زَرَعَهُ مِنْ حَسَكِ الْحَدِيدِ.

وَجَازَتْ الْحِيلَةُ عَلَى الْفُرْسِ، فَمَا إِنْ رَأَوْا طَلِيعةَ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ تَمْضِي مُنْهَزِمَةً أَمَامَهُمْ حَتَّى أَرْسَلُوا عُمَّالَهُمْ فَكَنَسُوا الطُّرُيَق مِنَ الْحَسَكِ فَكَرَّ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَاحْتَلُّوا تِلْكَ الدُّرُوبَ.

عَسْكَرَ النُّعْمَانُ بنُ مُقَرِّنٍ بِحَيْشِهِ عَلَى مَشَارِفِ (نهاوند) وَعَزَمَ عَلَى أَنْ يُبَاغِتَ عَدُوَّهُ بِالْهُجُومِ، فَقَالَ لِجُنُودِهِ: إِنِّي مُكَبَّرٌ ثَلاثًا، فَإِذَا كَبَّرْتُ الأُولَى فَلْيَتَهَيَّأْ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَهَيَّأ، وَإِذَا كَبَّرْتَ الثَّانِيَةَ فَلْيَشْدُدْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ سِلاحَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا كَبَّرْتَ الثَّالِثَةَ، فَإِنِّي حَامِلٌ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ فاحْمِلُوا مَعِي.

كَبَّرَ النُّعْمَانُ بن مُقَرِّنٍ تَكْبِيرَاتِهِ الثَّلاثِ، وَانْدَفَعَ فِي صِفُوفِ الْعَدُوِّ كَأَنَّهُ الليثُ عَادِيًا، وَتَدَفَّقَ وَرَاءَهُ جُنُودُ الْمُسْلِمِينَ تَدَفُّقَ السَّيْلِ وَدَارَتْ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ رَحَى مَعْرَكَةٍ ضَرُوسِ قَلَّمَا شَهِدَ تَارِيخُ الْحُرُوبِ لَهَا نَظِيرًا.

فَتَمَزَّقَ جَيْشُ الْفُرْسِ شَرَّ مُمَزَّقٍ وَمَلأَتْ قَتْلاهُ السَّهْلَ وَالْجَبَلَ وَسَالَتْ دِمَاؤُهُ فِي الْمَمَرَّاتِ وَالدُّروبِ فَزَلِقَ جوادُ النُّعْمَانِ بن مُقَرِّنٍ بِالدِّمَاءِ فَصُرِعَ وَأُصِيبَ النُّعْمَانُ نَفْسُه إِصَابَةً قَاتِلَةً، فَأَخَذَ أَخُوهُ اللواءَ مِنْ يَدِهِ، وَسَجَّاهُ بِبُرْدَةِ كَانَتْ مَعَهُ وَكَتَمَ أَمْرَ مَصْرَعِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ.

وَلَمَّا تَمَّ النَّصْرُ الْكَبِيرُ الذِي سَمَّاهُ الْمُسْلِمُونَ (فَتْحَ الْفُتُوح) ...

سَأَلَ الْجُنُودُ الْمُنْتَصِرُونَ عَنْ قَائِدِهِمْ الْبَاسِلِ النَّعْمَانِ بنِ مُقَرِّنٍ، فَرَفَعَ أَخُوهُ الْبُرْدَةَ عَنْهُ وَقَالَ: هَذَا أَمِيرُكُمْ، قَدْ أَقَرَّ اللهُ عَيْنَهُ بِالْفَتْحِ، وَخَتَمَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَعَمَلَنا مِن الرِّيَاءِ وَأَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَذِبِ وَأَعْيُنَنَا مِنْ الْخِيَانَةِ وَآذَانَنَا عَنْ الاسْتِمَاعِ إِلى مَا لا يُرْضِيكَ وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>