وقد حالَفَ صُهَيْبٌ سَيِّدًا مِنْ سَادَاتِ مَكَّةَ هُوَ عَبْدُ الله بنُ جُدْعَانٍ وَطَفِقَ يَعْمَلُ فِي التِّجَارَةِ، فَدَرَّتْ عَلَيْهِ الْخَيْرَ الْوَفِيرَ وَالْمَالَ الْكَثِيرَ.
غَيْرَ أَنَّ صُهَيْبًا لَمْ تُنْسِهِ تجارَتُهُ وَمَكَاسِبُهُ حَدِيثَ الْكَاهِنِ النَّصْرَانِي فَكَانَ كُلَّمَا مَرَّ كلامُه بِخَاطِرِهِ يُسَائِلُ نَفْسَهُ فِي لَهْفَةٍ: مَتَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟! وَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ حَتَّى جاءَهُ الجوابُ.
فَفِي ذَاتِ يَوْمٍ عَادَ صُهَيْبٌ إِلى مَكَّةَ مِنْ إِحْدَى رَحَلاتِهِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مُحَمَّدَ بن عَبْدِ الله قَدْ بُعِثَ وَقَامَ يَدْعُو النَّاسَ إِلى الإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، وَيَحُضَّهُمْ عَلَى الْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
فَقَالَ: أَلَيْسَ هُوَ الذِي يُلَقِّبُونَهُ بِالأَمِين؟!
فَقِيلَ لَهُ: بَلَى.
فَقَالَ: وَأَيْنَ مَكَانَهُ.
فَقِيلَ لَهُ: فِي دَارِ الأَرْقَمِ بن أَبِي الأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا ... وَلَكِنْ حَذَارِ مَنْ أَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنْ رَأَوْكَ فَعَلُوا بِكَ ... وَفَعَلُوَا، وَأَنْتَ رَجُلٌ غَرِيبٌ لا عَصَبِيَّةَ لَهُ تَحْمِيهِ، وَلا عَشِيرَةَ عِنْدَهُ تَنْصُرُه.
مَضَى صُهَيْبٌ إِلى دَارِ الأَرْقَمِ حِذَرًا يَتَلَّفَتُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا وَجَدَ عِنْدَ الْبَابِ عَمَّارَ بن يَاسِرٍ، وَكَانَ يَعْرِفُهُ مِنْ قَبْلَ، فَتَرَدَّدَ لَحْظَةً ثُمَّ دَنَا مِنْهُ وَقَالَ: مَا تُرِيدُ يَا عَمَّار؟
فَقَالَ عَمَّارٌ: بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟
فَقَالَ صُهَيْبٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَأَسْمَعَ مِنْهُ مَا يَقُولُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا.
فَقَال صُهَيْبٌ: إِذَنْ نَدْخُلُ مَعًا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute