للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَخَلَ صُهَيْبُ بن سَنَّانٍ الرُّومِيُّ وَعَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ عَلَى رَسُولِ الله ? وَاسْتَمَعا إِلى مَا يَقُولُ، فَأَشْرَقَ نُورُ الإِيمَانِ فِي صَدْرَيْهِمَا، وَتَسَابَقَا فِي مَدِّ أَيْدِيهِمَا إِلَيْهِ، وَشَهِدَا أَنْ لا إِلهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسولُهُ، وَأَمْضَيَا سَحَابَةَ يَوْمِهِمَا عِنْدَهُ، يَنْهَلانِ مِنْ هَدْيِهِ وَيَنْعُمَانِ بِصُحْبَتِهِ.

ولما أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَهَدَأَتَ الْحَرَكَةُ، خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلامِ، وَقَدْ حَمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِن النُّورِ فِي صَدْرِهِ مَا يَكْفِي لإِضَاءَةِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا.

تحمَّلَ صُهَيْبٌ نَصِيبَهُ مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ مَعَ بِلالٍ وَعَمَّارٍ وَسُمَّيَةَ وَخَبَّابٍ وَغَيْرِهم مِنْ عَشَرَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَاسَى مِنْ نَكَالِ قُرَيْشٍ مَا لَوْ نَزَلَ بِجَبَلِ لِهَدَّه، فَتَحَمَّلَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِنَفْسٍ مُطْمَئِنَّةٍ صَابِرَةٍ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ طَرِيقَ الْجَنَّةِ مَحْفُوفٌ بِالْمَكَارِه.

ولما أَذِنَ الرسولُ لأَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ إِلى الْمَدِينَةِ، عَزَمَ صُهَيْبٌ عَلَى أَنْ يَمْضِيَ فِي صُحْبَةِ الرَّسُولِ وَأَبِي بَكْر، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا شَعَرَتْ بِعَزْمِهِ عَلَى الْهِجْرَةِ فَصَدَّتْهُ عَنْ غَايَتِه، وَأَقَامَتْ عَلَيْهِ الرُّقَبَاءِ حَتَّى لا يَفْلِتَ مِنْ أَيْدِيهم، وَيَحْمِلَ مَعَهُ مَا دَرَّتْهُ عَلَيْهِ التِّجَارَةُ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ.

ظَلَّ صُهَيْبٌ بَعْدَ هِجْرَةِ الرَّسُولِ وَصَاحِبِه يَتحَيَّنُ الْفُرَصَ لِلَّحَاقِ بِهِمَا فَلَمْ يُفْلِحْ إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُ الرُّقَبَاءِ سَاهِرَةً عَلَيْهِ مُتَيَقِّظَةً لَهُ، فَلَمْ يَجِدْ سَبِيلاً غَيْرَ اللُّجُوءِ إِلى الْحِيلَةِ.

فَفِي ذَاتِ لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ أَكْثَرَ صُهَيْبٌ مِنْ الْخُرُوجِ إِلى الْخَلاءِ كَأَنَّهُ يَقْضِي الْحَاجَةَ، فَكَانَ لا يَرْجِعُ مِنْ قَضَاءَ حَاجَتِهِ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا.

فَقَالَ بَعْضُ رُقَبَائِهِ لِبَعْضٍ: طَيِّبُوا نَفْسًا فَإِنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى شَغَلاهُ بِبَطْنِهِ، ثُمَّ أَوَوْا إِلى مَضَاجِعِهِمْ وَأَسْلَمُوا عُيُونَهم إِلى الْكَرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>