للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَسَلَّلَ صُهَيْبٌ مِنْ بَيْنِهِمْ وَيَمَّمَ وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَدِينَةِ.

لَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ عَلَى رَحِيلِ صُهَيْبٍ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رُقَبَاؤُهُ، فَهَبُّوا مِنْ نَوْمِهِمْ مَذْعُورِين، وَامْتَطَوْا خُيُولَهُمْ السَّوَابِقَ، وَأَطْلَقُوا أَعِنَّتَهَا خَلْفَهُ حَتَّى أَدْرَكُوه.

فَلَمَّا أَحْسَّ بِهِمْ، وَقَفَ عَلَى مَكَانٍ عَالٍ وَأَخْرَجَ سِهَامِهِ مِنْ كِنَانَتِهِ وَوَتَرَ قَوْسَهُ وَقَالَ:

يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ - وَاللهِ - أَنِّي مَنْ أَرْمَى النَّاسِ وَأَحْكَمِهِمْ إِصَابَةً.

وَوَاللهِ لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِيَ رَجُلاً مِنْكُمْ.

ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِيِ شَيْءٌ مِنْهُ.

فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: وَاللهَ لا نَدَعُكَ تَفُوزُ مِنَّا بِنَفْسِكَ وَبِمَالِكَ ... لَقَدْ أَتَيْتَ مَكَّةَ صُعْلُوكًا فَقِيرًا فَاغْتَنَيْتَ وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ.

فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ تَرَكْتُ لَكُمْ مَالِي، أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟

قَالُوا: نَعَمْ.

فَدَلَّهم عَلَى مَوْضِعِ مَالِهِ فَأَخْذُوهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَطْلَقُوا سَرَاحَهُ.

أَخَذَ صُهَيْبٌ يُعِدُّ السَّيْرَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَارًّا بِدِينِهِ إِلى الله.

غَيْرَ آسِفٍ عَلَى الْمَالِ الذِي أَنْفَقَ فِي جَنْيِهِ زَهْرَةَ الْعُمْر.

وَكَانَ كُلَّمَا أَدْرَكَهُ الْوَنَى وَأَصَابَهُ التَّعَبُ اسْتَفَزَّهُ الشَّوْقُ إِلى رَسُولِ اللهِ ? فَيَعُودُ إِلَيْهِ نَشَاطُه، وَيُوَاصِلُ سَيْرَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>