بَاعَ، أَنْتَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا صَحِيحَ الْجِسْمِ، وَفِي طَلَبِ الآخِرَةِ بِكَ أَوْجَاعِ كَمْ تُعُرِّجْ عَنْ سُبُل التَّقْوَى يَا أَعْرَجَ الْهِمَّةِ، يَا مَنْ يَبْقَى فِي الْقَاعِ، يَا مَنْ عَلَى عُمْرِهِ لَيْلُ الْغَفْلَةِ طَلَعَ فَجْرُ الْمَشِيبِ.
أَمَا تَرَوْنَ الشَّيْبَ قَدْ نَزَلَ وَقَبِيحٌ مَعَ الشَّيْبِ الْمُجُونُ. أَمَا تَرَوْنَ سَيْفَ الأَجَلِ قَدْ قَطَعَ الأَمَلَ فَإِلى مَتَى تُؤَمَّلُونَ فِي الْبَقَاءِ وَتَطْمَعُونَ.
أَمَا تَرَوْنَ رِيَاحَ الرَّحِيلَ تَهُبُّ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ وَسَبِيلٍ فَلِمَ لا تَرْكَبُونَ سُفنَ التَّوْبَةِ وَتُقْلِعُونَ.
أَمَا تَرَوْنَ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ فِي كُلِّ حَال تُنَادِي بِفَصِيحِ الْمَقَالِ: يَا أَهْلَ الدُّنْيَا لا مَقَامَ لَكُمْ فَإِلى مَتَى لا تَرْجِعُونَ. هَلْ الأَعْمَارُ فِي الاعْتِبَارِ إِلا أَعْوَامٌ. وَهَلْ الأَعْوَامُ إِلا أَيَّامٌ.
وَهَلْ الأَيَّامُ إِلا سَاعَاتٌ كَالسُّفُُنُ يُنَادِي لِسَانُ سَيْرَهَا: يَا أَهْلَ الدُّنْيَا لا مَقَامَ. وَهَلِ السَّاعَةُ إِلا أَنْفَاسٌ تُحْصِيهَا الْحَفَظَةُ بِأَمْرِ الْمَلِكِ الْعَلام.
فَمَنْ كَانَ هَذَا أَسَاسَهُ كَيْفَ يَفْرَحُ بِدَار عَمَارُهَا فِي الْحَقِيقَةِ خَرَابٌ.
فَالسَّعِيدُ مَنْ أَضْمَرَ نُفْسَهُ مِنَ الْمَحْوِ وَأَخَفَّ ظَهْرَهُ مِنَ الأَوْزَارِ وَالتَّبِعَاتِ وَاعْتَبَرَ بِمَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أُوْلى النَّجْدَةِ وَالْهِمَمِ الْعَالِيَةَ.
نُثِرَ: وَالله سِلْكُهمْ بَعْدَ انْتِظَامِهِ. وَتَفَرَّقَ شَمْلُهُمْ بَعْدَ إِلْتِئَامِهِ وَعَادُوا كَمَنْ مَضَى مِنَ الأَقْرَانِ كَأَنَّمَا يَقْظَتُهُمْ كَانَتْ مَنَام. هَكَذَا الدُّنْيَا {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} .
فَرَحِمَ اللهُ عَبْدًا أَقْبَلَ عَلَى الْبَاقِي وَأَعْرَضَ عَن الْفَانِي مِنَ الْحُطَامِ. وَجَعَلَ لِشَارِدِ النَّفْسِ مِنَ التَّقْوَى أَقْوَى زِمَام. وَاجْتَنَبَ الظُّلْم فَإِنَّ الظُّلْمَ يُخْرُجُ مِنَ النُّورِ إِلى الظَّلامِ. فَنَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ تَوْفِيقًا يُقَرِّبُنَا مِنَ الْحَلالِ وَيُبْعِدُنَا عَن الْحَرَامِ. وَطَرِيقًا إِلى الْخَيْرَاتِ لِنَتَمَسَّكَ بِالزَّمَامِ. وَأَمْنًا يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ يُبَلِّغُنَا غَايَةَ الْمُنَى. قَالَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute