وَكَانَ زَيْدٌ - إِذْ ذَاكَ - غُلامًا صَغِيرًا يَدْرُجُ نَحْوَ الثَّامِنَةِ مِنْ عُمْرِهِ، فَأَتَوْا بِهِ سَوْقَ عُكَاظٍ وَعَرَضُوهُ لِلْبَيْعِ فَاشْتَرَاهُ ثَرِيٌّ مِنْ سَادَةِ قُرَيْشٍ هُوَ حَكِيمُ بن حِزَامِ بن خُوَيْلِدٍ بَأَرْبِعِمَائَةِ دِرْهَمٍ.
وَاشْتَرَى مَعَهُ طَائِفَةً مِنْ الْغُلْمَانِ، وَعَادَ بِهِمْ إِلى مَكَّةَ.
فَلَمَّا عَرَفَتْ عَمَّتُهُ خَدِيجَةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ بِمَقْدِمِه، زَارَتْهُ مُسَلِّمَةً عَلَيْهِ، مُرَحِّبَةً بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَمَّة، لَقَدْ ابْتَعْتُ مِنْ سُوقِ عُكاظ طائفةً من الغِلمان فاخْتَارِي أَيًّا منهم تَشَائينَهُ، فهو هَدِيَّةٌ لَكِ.
فَتَفَرَّسَتِ السَّيِّدَةُ خَدِيجَةُ وُجُوهَ الْغُلْمَانِ ... وَاخْتَارَتْ زَيْدَ بن حَارِثَةَ، لِمَا بَدَا لَهَا مِنْ عَلامَاتِ نَجَابَتِهِ، وَمَضَتْ بِهِ.
وَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ حَتَّى تَزَوَّجَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلَدٍ مِنْ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الله، فَأَرَادَتْ أَنْ تُطْرِفَهُ وَتُهْدِي لَهُ، فلمْ تَجِدْ خيرًا من غلامِها الأثيرِ زيدِ بن حارِثَةَ، فَأَهْدَتْهُ إِلَيْهِ.
وَفِيمَا كَانَ الغلامُ الْمَحْظُوظُ يَتَقَلَّبُ في رِعَايَةِ محمدِ بنِ عَبْدِ الله، وَيَحْظَى بِكَرِيمِ صُحْبَتِهِ، وَيَنْعُمُ بِجَمِيلِ خِلالهِ.
كانت أُمُّهُ المفجوعةُ بفَقْدِهِ لا تَرْفَأْ لَهَا عَبْرَةٌ وَلا تَهْدَأْ لها لَوْعَةٌ وَلا يَطْمَئِنُّ لها جَنْبٌ.
وَكَانَ يُزِيدُهُا أسىً على أساها أنها لا تَعْرِفُ أَحَيٌّ هو فَتَرْجُوهُ أَمْ مَيْتٌ فَتَيْأَسُ مِنْهُ.
أما أبوه فأخذ يَتَحَرَّاهُ في كلِّ أَرْضٍ، وَيُسَائِلُ عنه كلَّ رَكْبٍ ويَصُوغُ حنينَه إليه شِعْرًا حَزِينًا تَتَفَطَّرُ له الأكباد حيث يقول:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute