للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ زَيْدٌ - حِينَ اخْتَارَ مُحَمَّدًا عَلَى أُمِّهِ وَأَبِيهِ - أَيَّ غُنْمٍ غَنِمَهُ.

وَلَمْ يَكُنْ يَدْرِي أَنَّ سَيِّدَهُ الذِي آثَرَهُ عَلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ هُوَ سَيِّدُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ، وَرَسُولُ الله إلى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ.

وَمَا خَطَرَ لَهُ بِبَالٍ أَنَّ دَوْلَةً لِلسَّمَاءِ سَتَقُومُ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ فَتَمْلأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِبِ بِرًّا وَعَدْلاً، وَأَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ سَيَكُونُ اللَّبِنَةَ الأُولى فِي بِنَاءِ هَذِهِ الدَّوْلَة العظمى ...

لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَدُورُ فِي خَلَدِ زَيْدٍ ... وَإِنَّمَا هُوَ فَضْلُ اللهُ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ... وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.

ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ عَلَى حَادِثَةِ التَّخْيِيرِ هَذِهِ إِلا بِضْعُ سِنِينَ حَتَّى بَعَثَ الله نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا بِدِينِ الْهُدَى وَالْحَقِّ، فَكَانَ زَيْدُ بنُ حَارِثَةَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ من الرِّجَال.

وَهَلْ فَوْقَ هَذِهِ الأَوَّلِيَّةِ أَوَّلِيَّةٌ يَتَنَافَسَ فِيهَا الْمُتَنَافِسُون؟!

لَقَدْ أَصْبَحَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ أَمِينًا لِسِرِّ رَسُولِ اللهِ، وَقَائِدًا لِبُعُوثِهِ وَسَرَايَاهُ وَأَحَدَ خُلَفَائِهِ عَلَى الْمَدِينَةَ إِذَا غَادَرَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ.

وَكَمَا أَحَبَّ زَيْدٌ النَّبِيَّ وَآثَرَهُ عَلَى أُمِّهِ وَأَبِيهِ، فَقَدْ أَحَبَّهُ الرَّسُولُ الْكَرِيمِ صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَخَلَطَهُ بِأَهْلِهِ وَبَنِيهِ، فَكَانَ يَشْتَاقُ إِلَيْهِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، وَيَفْرَحُ بِقُدُومِهِ إِذَا عَادَ إِلَيْهِ، وَيَلْقَاهُ لِقَاءٌ لا يَحْظَى بِمِثْلِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ.

فَهَا هي ذي عائِشَةُ رِضْوَانُ الله عليها تُصَوِّرُ لنا مَشْهَدًا من مَشَاهِدِ فَرْحَةِ رَسُولِ الله ? بِلِقَاءِ زَيْدٍ فَتَقُولُ: (قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>