وفي السنة الثامنة من الهجرة شاء الله - تَبَارَكَتْ حِكْمَتُه - أن يَمْتَحِنَ الحبيبَ بفراقِ حبيبِه.
ذلك أنَّ الرسولَ صلواتُ الله وسلامُه عليه، بَعَثَ الحارِثَ بن عُمَيْرٍ الأزْدِيَّ بِكِتَابٍ إِلى مَلِكِ بُصْرَى يدعوه فيه إلى الإِسْلامِ، فَلَمَّا بلغَ الحارثُ (مُؤْتَةَ) بشرقي الأردن، عَرَضَ له أحدُ أمراءِ الغساسِنَةِ شُرْحَبِيلُ بنُ عمرو فأخَذَه، وشدَّ عليه وثاقه، ثم قَدَّمَهَ فَضَرَبُ عُنُقَه.
فاشتدَّ ذلك على النبيِّ صَلواتُ اللهِ وسلامُه عليه إذ لم يُقْتَلْ له رسولٌ غَيْرُه.
وَجهَّزَ جَيْشًا مِنْ ثَلاثةِ آلافِ مُقَاتِلٍ لِغَزْوِ مُؤْتَةَ وَوَلَّى على الجيشِ حبيبَه زَيدَ بنَ حارِثَةَ، وَقَالَ: إِنْ أُصِيبَ زيدٌ فَتَكُونُ الْقِيَادَةُ لِجَعْفَرِ بنِ أبي طالب، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرُ كَانتْ إلى عبدِ الله بنِ رَوَاحَةَ، فَإِنْ أُصِيبَ عَبْدُ الله فَلَيَخْتَرَ المسلمون لأنفسهم رجلاً منهم.