فَهَبَّ هِرْقَلُ ملكُ الرومِ على رأسِ مائةِ ألفِ مُقَاتِلٍ للدفاعِ عَنْ الْغَسَاسِنَة وَانضمَّ إليه مَائةُ أَلْفٍ مِنْ مُشْرِكي العرب، وَنَزَلَ هذا الجيشُ الْجَرَّارُ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْ مواقع المسلمين.
باتَ المسلمون في (معان) ليلتين يتشاورون فيما يصنعون.
فقال قائلٌ: نَكْتُبُ إلى رسولِ الله وَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنا وَنَنْتَظِرُ أَمْرَه.
وقال آخر: والله - يا قوم - إِنَّنَا لا نُقَاتِلُ بَعَدَدٍ وَلا قُوَّةٍ وَلا كُثْرَةٍ وَإِنَّمَا نُقَاتِلُ بِهَذَا الدِّينِ.
فَانْطَلِقُوا إِلى مَا خَرَجْتُمْ لَهُ.
وقد ضَمِنَ الله لَكُمْ الْفَوْزَ بِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا الظَّفَرُ وَإِمَّا الشَّهَادة.
ثُمَّ الْتَقَى الجمعان على أرضِ مُؤتَةَ، فقاتَلَ المسلمون قِتَالاً أَذْهَلَ الرُّومَ وَمَلأَ قُلُوبَهُمْ هَيْبَةً لِهَذِهِ الآلافِ الثلاثةِ التي تَصَدَّتْ لِجَيْشِهِمْ الْبَالِغِ مائتي ألفٍ.
وجالَدَ زيدَ بن حارِثَةَ عن رَايَةِ رسولِ الله ? جِلادًا لم يَعْرِفْ له تاريخُ الْبُطُولاتِ مَثِيلاً حَتَّى خَرَّقَتْ جَسَدَهُ مِئَاتُ الرِّمَاحِ فَخَرَّ صَرِيعًا يَسْبَحُ فِي دِمَائِهِ.
فَتَنَاوَلَ مِنْهُ الرَّايَةَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي طالبٍ وَطَفِقَ يَذُودَ عنها أَكْرَمَ الذَّوْدِ حَتى لَحِقَ بصاحبه.
فتناول منه الرايةَ عبدُ الله بنُ رَوَاحَةَ فَنَاضَلَ عنها أَبْسَلَ النِّضَالِ حَتَّى انْتَهَى إلى ما انْتَهَى إليه صاحباه.
فأَمَّرَ النَّاسُ عليهم خالدَ بنَ الْوَلِيدِ - وكان حَدِيثَ إِسْلامٍ - فانْحَازَ بالجيش، وأنقذه من الفناءِ الْمُحَتَّمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute