للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا فَرَغَتِ الأَطْفَالُ وَالْمَيْتَاتُ غَلَبَ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ فَذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ وَكَانَ الرَّجُلُ يَحْتَالُ عَلَى الْفَقِيرِ فَيَأْتِي بِهِ لِيُطْعِمَهُ أَو لِيُعْطِيَهُ شَيْئاً ثُمَّ يَذْبَحَهُ وَيَأْكُلهُ وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ امْرَأَتَهُ وَيَأْكُلُهَا وَشَاعَ هَذَا بَيْنَهُمْ بِلا إِنْكَارٍ وَلا شَكْوَى بَلْ عَذَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَأْسٍ وَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ الأَطِبَّاءِ الذِينَ يُسْتَدْعَونَ إِلى الْمَرْضَى فَكَانُوا يُذْبَحُونَ وَيُؤْكَلُونَ كَانَ الرَّجُلُ يَسْتَدِعي الطَّبِيبَ ثُمَّ يَذْبَحُه وَيَأْكُلُه. وَقَدْ اسْتَدْعَى رَجُلٌ طَبِيباً حَاذِقاً وَكَانَ الرَّجُلُ مُوسِراً مِنْ أَهْلِ الْمَالِ فَذَهَبَ الطَّبِيبُ مَعَهُ عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَيَذْكُرَ اللهَ وَيُسَبِّحُه وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ فَارْتَابَ بِهِ الطَّبِيبُ وَتَخَيَّلَ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا حَمَلَهُ الطَّمَعُ عَلَى الاسْتِمْرَارِ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ دَارَهُ فَإِذَا هِيَ خَرِبَةٌ فَارْتَابَ الطَّبِيبُ أَيْضاً فَخَرَجَ صَاحِبُه فَقَالَ لَهُ:

وَمَعَ الْبُطْءِ جِئْتَ لَنَا بِصَيْدٍ فَلَمَّا سَمِعَهَا الطَّبِيبُ هَرَبَ فَخَرَجَا خَلْفَهُ سِرَاعاً فَمَا خَلَصَ إِلا بَعْدَ جَهْدٍ وَشَرٍّ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ سَنَةَ ٥٩٧ وَقَعَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ بِبِلادِ عَنْزَةَ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَكَانُوا عِشْرِينَ قَرْيَةً فَبَادَتْ مِنْهَا ثَمَانِيَة عَشَرَ لَمْ يَبْقَ دَيَّارٌ وَلا نَافِخُ نَارٍ وَبَقِيَتْ أَنْعَامُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لا قَانِيَ لَهَا. وَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَسْكُنَ تِلْكَ الْقُرَى وَلا يُدْخِلَهَا. بَلْ كَانَ مَنْ اقْتَرَبَ إِلى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُرَى هَلَكَ مِنْ سَاعَتِه.

نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ بَأْسِهِ وَعَذَابِهِ وَغَضَبِهِ وَعِقَابِهِ أَمَّا الْقَرْيَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا أَحَدٌ وَلا عِنْدَهُمْ شُعُورٌ بِمَا جَرَى عَلَى مَنْ حَوْلَهُمْ بَلْ هُمْ عَلَى حَالِهِمْ لَمْ يُفْتَقَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَسُبْحَانَ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ. انْتَهَى كَلامُه.

وذكر السيوطي رحمه الله في تاريخ الخلفاء أن في سنة ٥٢٤ ارتفع سحابٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>