وَقَدْ أُولِعَ أُسَيْدُ بنُ الْحُضَيْر بِالْقُرْآنِ مُنْذُ سَمَعَهُ مِنْ مُصْعَبِ بن عُمَيْرٍ وَلَعَ الْمُحِبِّ بِحَبِيبِهِ وَأَقَبْلَ عَلَيْهِ إِقْبَالَ الظَّامِئ عَلَى الْمَوْرِدِ الْعَذْبِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِض وَجَعَلَهُ شُغْلَهُ الشَّاغِلَ فَكَانَ لا يُرَى إِلا مُجَاهِداً غَازِياً فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ عَاكِفاً يَتْلُو كِتَابَ اللهِ.
وَكَانَتْ تَطِيبُ لَهُ الْقِرَاءَةُ أَكْثَرَ مَا تَطِيبُ إِذَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَنَامَت الْعُيُونُ وَصَفَت النُّفُوسُ وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَحَيَّنُونَ أَوْقَاتَ قِرَاءَتِهِ وَيَتَسَابَقُونَ إِلى سَمَاعِ تِلاوَتِه وَقَدْ اسْتَعْذَبَ أَهْلُ السَّمَاءِ قِرَاءَتَهُ كَمَا اسْتَعْذَبَهَا أَهْلُ الأَرْضِ.
فَفِي جَوْفِ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي كَانَ أُسَيْدُ بن الْحُضَيْرِ جَالِساً فِي مِربَدِه وَابْنُه يَحْيَى نَائِمٌ جَانِبه وَفَرَسُهُ قَدْ أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ مُرْتَبَطَة غَيْرَ بَعِيدَةٍ عَنْهُ وَكَانَ اللَّيْلُ سَاجِياً فَتَاقَتْ نَفْسُ أُسَيْدِ بن الْحُضَيْرِ لِلْقِرَاءَةِ.
فَشَرَعَ يَقْرَأُ: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} .
فَإِذَا بِهِ يَسْمَعُ فَرَسَهُ وَقَدْ جَالَتْ جَوْلَةً كَادَتْ تُقَطِّعُ بِسَبَبِهَا رِبَاطَهَا فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ الْفَرَسُ وَقَرَّتْ فَعَادَ يَقْرَأْ: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدىً مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَجَالَتْ جَوْلَةً أَشَدَّ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ فَخَافَ عَلَى ابْنِهِ يَحْيَى أَنْ تَطَأَهُ.
فَمَضَى إِلَيْهِ لِيُوُقِظَهُ وَهُنَا حَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ السَّمَاءِ فَرَأى غَمَامَةً كَالْمِظَّلةِ لَمْ تَرَ الْعَيْنُ أَرْوَعَ وَلا أَبْهَى مِنْهَا قَطُّ وَقَدْ عُلِّقَ بِهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَمَلأَت الآفَاقَ ضِيَاءً وَسَنَاءً وَهِيَ تَصْعَدُ إِلى السَّمَاءِ حَتَّى غَابَتْ عَنْ عَيْنَيْهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ مَضَى إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَّ عَلَيْهِ خَبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute