ذَلِكَ وَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَه وَمَضَى نَحْوَ الْبُسْتَانِ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدُ بنُ زُرَارَةٍ قَالَ لِمُصْعَبٍ: وَيْحَكَ يَا مُصْعَبُ هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ وَأَرْجَحُهُمْ عَقْلاً وَأَكْمَلُهُمْ كَمَالاً أُسَيْدُ بنُ الْحُضَيْرِ فَإِنْ يُسْلِمْ يَتْبَعْه فِي إِسْلامِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَأَصْدَقِ اللهِ فِيهِ وَأَحْسِنْ التَّأَتِي لَهُ - أَيْ عَرْضَ الأَمْرِ عَلَيْهِ -.
وَقَفَ أُسَيْدُ بنُ الْحُضَيْر عَلَى الْجَمْعِ وَالْتَفَتَ إِلى مُصْعَبٍ وَصَاحِبِه وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إِلى دِيَارِنَا وَأَغْرَاكُمَا بِضُعَفَائِنَا اعْتَزِلا هَذَا الْحَيَّ إِنْ كَانَتْ لَكُمَا حَاجَةٌ بِنَفْسَيْكُمَا.
فَالْتَفَتْ مُصْعَبُ إِلى أُسَيْدٍ بَوَجْهِهِ الْمُشْرِقِ بِنُورِ الإِيمَانِ وَخَاطَبَهُ بِلَهْجَتِهِ الصَّادِقَةِ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيَّدَ قَوْمِه هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْلِسُ إِلَيْنَا فَتَسْمَعَ مِنَّا فَإِنْ رَضِيتَ مَا قُلْنَاهُ قَبلْتَهُ وَإِنْ لَمْ تَرْضَهُ تَحَوَّلَنَا عَنْكُمْ وَلَمْ نَعُدْ إِلَيْكُمْ فَقَالَ أُسَيْدٌ: لَقَدْ أَنْصَفْتَ وَرَكزَ رُمْحَهُ فِي الأَرْضِ وَجَلَسَ.
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ مُصْعَبٌ يَذْكُرُ لَهُ حَقِيقَةَ الإِسْلامِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَأَشْرَقَتْ أَسَارِيرُهُ وَأَشْرَقَ وَجْهُه وَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الذِي تَقُولُ وَمَا أَجْمَلَ الذِي تَتْلُو كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ الدُّخُولَ فِي الإِسْلام.
فَقَالَ مُصْعَبُ: تَغْتَسِلُ وَتُطَهِّرُ ثِيَابَكَ وَتَشْهَدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولَ اللهِ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ إِلى الْبِئْرِ فَتَطَهَّرَ بِمَائِهَا وَشَهِدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولَ اللهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلى كَتَائِبِ الإِسْلامِ.
وَكَانَ فَارِساً قَارِئاً كَاتِباً فِي مُجْتَمَع نَدَرَ فِيهِ مَنْ يَقْرَأْ أَوْ يَكْتُبُ وَكَانَ إِسْلامُه سَبَباً فِي إِسْلامِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ وَكَانَ إِسْلامُهُمَا سَبَباً فِي أَنْ تُسْلِمَ جمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الأَوْسِ وَأَنْ تُصْبِحَ الْمَدِينَةِ مُهَاجِراً لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْئِلاً وَقَاعِدَةً لِدَوْلَةِ الإِسْلامِ الْعُظْمَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute