للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ: رَحِمَكَ اللهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَتَذْكُرْ يَا عُمَرُ حَدِيثاً حَدّثَنَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ قَالَ: أَلَمْ يَقُلْ: ((لِيَكُنْ بَلاغُ أَحَدِكُمْ مِنْ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ)) .

قَالَ: بَلَى قَالَ: فَمَاذَا فَعَلْنَا بَعْدَهُ يَا عُمَرُ فَبَكَى عُمَرُ وَبَكَى أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمَا زَالا يَتَجَاوَبَانِ بِالْبُكَاءِ حَتَّى طَلَعَ عَلَيْهِمَا الصُّبْحُ.

ظَلَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي دِمَشْقَ يَعِظُ أَهْلَهَا وَيُذَكِّرُهُمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.

وَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ دَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: مَا تَشْتَكِي؟ قَالَ: ذُنُوبِي قَالُوا: وَمَا تَشْتَهِي؟ قَالَ: عَفْوَ رَبِّي ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: لَقِّنُونِي لا إِلهَ إِلا اللهُ مُحَمَّد رَسُولُ اللهِ فَمَا زَالَ يُرَدِّدُهَا حَتَّى فَارَقَ الْحَيَاةَ.

وَلَمَّا لَحِقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ بِجِوَارِ رَبِّهِ رَأَى عَوْفُ بنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيّ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَرْجاً أَخْضَرَ. فَسِيحَ الأَرْجَاءِ وَارِفَ الأَفْيَاءِ فِيهِ قُبّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ أَدَمٍ - أَيّ جِلْدٍ - حَوْلَهَا غَنَمٌ رَابِضَةٌ لَمْ تَر الْعَيْنُ مِثْلَهَا قَطُّ.

فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ: لِعَبْدِ الرَّحْمَن بنِ عَوْفٍ فَطَلَعَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ عَوْفٍ مِنَ الْقُبَّةِ وَقَالَ لَهُ: يَا ابنَ مَالِك هَذَا مَا أَعْطَانَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقُرْآنِ وَلَوْ أَشْرَفْتَ عَلَى هَذِهِ الثَّنِيَّةِ رَأَيْتَ مَا لَمْ تَرَ عَيْنُكَ وَسَمِعْتَ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِكَ فَقَالَ ابنُ مَالِكٍ: وَلِمَنْ ذَلِكَ كُلَّهُ يَا أَبَا مُحَمَّدِ؟ فَقَالَ: أَعَدَّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَبِي الدَّرْدَاءِ لأَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ عَنْهُ الدُّنْيَا بِالَّراحَتَيْنِ وَالصَّدْرِ. انْتَهَى مِنْ صُوَرٍ مِنْ حَيَاةِ الصَّحَابَةِ بِتَصَرُّفٍ يَسِيرٍ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لِكِتَابِكَ مِن التَّالِينَ وَلَكَ بِهِ مِن الْعَامِلِينَ وَبِمَا صَرَّفْتَ فِيهِ مِنْ الآيَاتِ مُنْتَفِعِينَ، وَإِلى لَذِيذِ خِطَابِهِ مُسْتَمِعِينَ، وَلأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ خَاضِعِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>