للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ اجْتَمَعَ يَوْماً أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فِي مَكَّة وَكَانُوا قِلَّةً مُسْتَضْعَفِينَ فَقَالُوا: وَالله مَا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ هَذَا الْقُرْآنَ يُجْهَرُ بِهِ قَطْ فَمَنْ رَجُلٌ منْكُمْ يُسْمِعُهُمْ إِيَّاهُ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ: أَنَا أَسْمِعُهُمْ إِيَّاهُ فَقَالُوا: إِنَّا نَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ إِنَّمَا نُرِيدُ رَجُلاً لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيه وَتَمْنَعِهُ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادُوهُ بِشَرٍ.

فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنَّ اللهَ سَيَمْنَعُنِي وَيَحْمِينِي ثُمَّ غَدَا إِلى الْمَسْجِدِ حَتَّى أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ فِي الضُّحَى وَقُرَيْشٌ جُلُوسٌ فَوَقَفَ عِنْدَ الْمَقَامِ وَقَرَأَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَافِعاً صَوْتَهُ {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} .

وَمَضَى يَقْرَؤُهَا فَتَأَمَّلَتْهُ قُرَيْشٌ وَقَالَتْ: مَاذَا قَالَ ابنُ أُمَّ عَبْدٍ تَبّاً لَهُ ... إِنَّهُ يَتْلُو بَعْضَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَقَامُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ وَجْهَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَبْلُغَ.

ثُمَّ انْصَرَفَ إِلى أَصْحَابِهِ وَالدَّمُّ يَسِيلُ مِنْهُ فَقَالُوا لَهُ: هَذَا الذِي خَشَيْنَا عَلَيْكَ فَقَالَ: وَاللهِ مَا كَانَ أَعْدَاءُ اللهِ أَهْوَنَ فِي عَيْنِي مِنْهُمْ الآنَ وَإِنْ شِئْتُمْ لأُغَادِيَنَّهُمْ بِمِثْلِهَا غَداً قَالُوا: لا حَسْبُكَ لَقَدْ أَسْمَعْتَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ.

وَمِنْ كَلامِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَدْخُلُ عَلَى السُّلْطَانِ وَمَعَهُ دِينِهِ فَيَخْرُجُ وَلا دِينَ مَعَهُ لأَنَّهُ مُعَرَّضٌ أَنْ يَعْصِي اللهَ تَعَالى إِمَّا بِفِعْلِهِ وَإِمَّا بِسُكُوتِهِ وَإِمَّا بِاعْتِقَادِهِ.

وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالى سَبْعِينَ سَنَةً وَهُوَ يُحِبُّ ظَالِماً لَبَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ يُحِبُّ وَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ وَلا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَصْحَاب

<<  <  ج: ص:  >  >>