للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُمَّ يَا عَالَم الخَفياتِ وَيَا سَامِعَ الأَصْوَاتِ وَيَا بَاعِثَ الأَمْواتِ وَيَا مُجِيبَ الدَّعَوَاتِ وَيَا قَاضِي الحَاجَاتِ يَا خَالَق الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ أَنْتَ اللهُ الأحدُ الصمدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد، الوَهَّابُ الذي لا يَبْخَلُ وَالحِليمُ الذي لا يَعْجَلُ، لا رَادَّ لأمْركَ وَلا مُعَقِّبَ لِحُكَمِكَ، نَسْأَلَكَ أَنْ تَغفرَ ذُنوبَنَا وَتُنَورَ قلوبنَا وَتُثَبِّتَ مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَتُسْكِنَنَا دَارَ كَرَامَتِكَ إِنك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ) وَقَدْ اجْتَهد ابْنُ عَبَّاسٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ حَتَّى بَلَغَ فِيهِ مَبْلَغاً وَأَدْهَشَ الْفُحُولَ فَقَالَ فِيهِ مَسْرُوقُ بنُ الأَجْدَعِ أَحَدُ التَّابِعِينَ: كُنْتُ إِذَا رَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ قُلْتُ: أَجْمَلُ النَّاسِ فَإِذَا نَطَقَ قُلْتُ: أَفْصَحُ النَّاسَ فَإِذَا تَحَدَّثَ قُلْتُ: أَعْلَمُ النَّاسِ.

وَلَمْ يَكُنْ ابنُ عَبَّاسٍ مِنْ الذِينَ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَنْهَوْنَ وَلا يَنْتَهُون وَإِنَّمَا كَانَ صَوَّاماً بِالنَّهَارِ قَوَّاماً بِاللَّيْلِ.

أَخْبَرَ عَنْهُ عُبْدُ اللهِ بنُ مُلَيْكَةَ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مِنْ مَكَّةَ إِلى الْمَدِينَةِ فَكُنَّا إِذَا نَزَلْنَا مَنْزلاً قَامَ شَطْرَ اللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ مِنْ شِدَّةَ التَّعَبِ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍِ يَقْرَأ: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} فَظَلَّ يُكَرِّرُهَا وَيَنْشُجُ حَتَّى طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ.

وَحَسْبُنَا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ نَعْلَمْ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بن عَبَّاسٍ كَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ وَجْهاً فَمَا زَالَ يَبْكِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى أَحْدَثَ الدَّمْعُ عَلَى خَدَّيْهِ مَجْرَيَيْنِ شَبَّهَهُمَا بَعْضُهُمْ بِشَرَاكِي النَّعْلِ.

وَقَدْ بَلَغَ ابنُ عَبَّاسٍ مِنْ مَجْدِ الْعِلْمِ غَايَتَه ذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ خَرَجَ ذَاتَ سَنَةٍ حَاجّاً وَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ حَاجّاً أَيْضاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَوْلَةٌ وَلا أَمَارَةٌ فَكَانَ لِمُعَاوِيَةَ مَوْكِبٌ مِنْ رِجَالِ دَوْلِتِه وَكَانَ لِعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ مَوْكِبٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ يَفُوقُ مَوْكِبَ مُعَاوِيَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>