مِنَّا، وامنُنْ عَلَيْنَا يَا مَوْلانَا بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا عَنَّا كُلَّ ذَنْبٍ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ)
ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ بَدْرٌ وَأُحُدٌ ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» . فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاَثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ بِالْفَقَرِ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: «أَعِينُوا أَخَاكُمْ» . فَأَعَانُونِي حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُمَائَةٌ.
قالَ سَلْمَان: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبْ فَفَقِّرْ لَهَا فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدَيَّ» . قال: فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَبَقِيَ عَلَىَّ الْمَالُ.
فَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ حَيْثُ لَمْ يَمُتْ مِمَّا غَرَسَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا وَاحِدَةٌ قَالَ سَلْمَانُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: «مَا فَعَلَ سَلْمَانُ الْفَارِسيُّ الْمُكَاتَبُ» ؟ فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ: «هَذِهِ أَدِّبِهَا مَا عَلَيْكَ» . قُلْتُ: وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّا عَلَىَّ؟ قَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ» .
فَأَخَذْتُهَا فَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً وَعُتِقْتُ فَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ واحدٌ وَهَذِه أيضاً مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَكَانَ سَلْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرِعاً زَاهِداً قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ عَطَاءُ سَلْمَانَ خَمْسَةُ آلافٍ وَكَانَ أَمِيراً عَلَى زُهَاء ثَلاثِينَ أَلْفاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute