وَكَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِي عَبَاءَةٍ يَفْتَرِشُ بَعْضَهَا وَيَلْبَسُ بَعْضَهَا فَإِذَا خَرَجَ عَطَاؤُهُ أَمْضَاهُ - يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِوَصِيفَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَأْكُلُ مِنْ سَفِيفِ يَدَيْهِ أَيْ يَسِفُ الْخُوْصَ وَيَأْكُلُ مِنْ قِيمَتِهِ إِذَا بَاعَهُ.
وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: اشْتَرِي خُوصاً بِدِرْهَمٍ فَأَعْمَلُهُ فَأَبِيعُهُ بِثَلاثَةِ دَرَاهِمَ فَأُعِيدُ دِرْهَماً فِيهِ وَأُنْفِقُ دِرْهَماً عَلَى عِيَالِي وَأَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ وَكَانَ سَلْمَانُ أَمِيراً عَلَى الْمَدَائِنِ فَجَاءَ رَجُلٌ مَعَهُ حِمْلُ تِبْنٌ وَعَلَى سَلْمَان عَبَاءَةٌ فَقَالَ لَهُ: تَعَالَ احْمِلْ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ فَحَمَلَ فَرَآهُ النَّاسُ فَقَالُوا: هَذَا الأَمِيرُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِسَلْمَانَ: لَمْ أَعْرِفْكَ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنِّي قَدْ نَوَيْتُ فِيهِ نِيَّةً فَلَنْ أَضَعَهُ حَتَّى أَبْلُغَ بَيْتَهُ، هَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ سِيرَةِ سَلْمَانَ الْفَارِسِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
كَمْ ذَا أُؤمِّلُ عَفْواً لَسْتُ أَكْسَبُهُ ... وَيْلٌ لِجِلْدِيَ يَوْمَ النَّارِ مِنْ أَمَلِي
قَوْلٌ جَمِيلٌ وَأَفْعَالٌ مُقَبَّحَةٌ ... يَا بُعدَ ذَا الْقَوْلِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَمَلِ
يَا بُؤْسَ لِلْعَيْشِ غُرَّ الْعَالِمُونَ بِهِ ... وَالْجَاهِلُونَ مَعاً فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ
مَضَوْا جَمِيعاً فَلا عَيْنٌ وَلا أَثَرٌ ... حَانُوا وَحَالُوا وَهَذَا الدَّهْرُ لَمْ يَحُلِ
كَأَنَّهَمْ بَعْدَ مَا اسْتَمْطَوْا جَنَائِزَهُمْ ... لَمْ يَمْتَطُوا صَهَوَاتِ الْخَيْلِ وَالإِبْلِ
قَالُوا فَرَغْتَ مِنْ الأَشْغَالِ قُلْتُ لَهُمْ ... لَوْ لَمْ أَكُنْ باِنْتِظَارِ الْمَوْتِ فِي شُغُلِ
إِنِّي لأَعْلَمُ عِلْماً لا يُخَالِجُه ... شَكٌّ فَأَطْمَعُ لِلدُّنْيَا وَيُطْمَعُ لِي
بَأَنَّه لا مَحِيصٌ عَنْ مَدَى سَفَرِي ... وَلا دَوَاءٌ لِمَا أَشْكُوهُ مِنْ عِلَلِي
وَأَنَّنِي سَوْفَ أَلْقَى مَا يُطِيحُ بِهِ ... كَيْدِي وَتَذْهَبُ عَنْهُ ضُلَّلاً حِيَلي
وَكَيْفَ يُطْبِقُ جَفْناً بِالْكَرَى رَجَلٌ ... وَرَاءَهُ لِلرَّدَى حَادٍ مِنْ الأَجَلِ؟
أَمْ كََيْفَ يُصْبِحُ جَذْلاناً وَلَيْسَ لَهُ ... عِلْمُ الإلهِ بِعُقْبَى ذَلِكَ الْجَذَلِ؟
يَا رَاقِداً وَنِدَاءُ الله يُوقظُهُ ... ألا تَزَوَّدتَ فِينَا زَادَ مُرْتَحِلِ؟
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قُلُوبَنَا، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا،