للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَغَضِبَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ غَضَباً ظَهَرَ فِي احْمِرَارِ عَيْنَيْهِ وَاحْتِقَانِ وَجْهِهِ.. غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ شَيْئاً.

فَلَمَّا صَارَ طَاوُوسٌ وَصَاحِبُهُ خَارِجَ الْمَجْلِس قَالَ وَهْبٌ لِطَاوُوس: وَاللهُ لَقَدْ كُنَّا فِي غِنَى عَنْ إِثَارَةِ غَضَبِهِ عَلَيْنَا فَمَاذَا كَانَ يُضِيُركَ لَوْ أَخَذْتَ الطَّيْلَسَانَ مِنْهُ ثُمَّ بِعْتَهُ وَتَصَدَّقْتَ بِثِمَنِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين؟!

فَقَالَ طَاوُوسٌ: هُوَ مَا تَقُولُ.

لَوْلا أَنّنِي خَشِيتُ أَنْ يَقُولُ الْعُلَمَاءُ مِنْ بَعْدِي: نَأْخُذُ كَمَا أَخَذَ طَاوُوسٌ ... ثُمَّ لا يَصْنَعُونَ فِيمَا أَخَذُوه مَا تَقُولُ.

وَكَأَنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ أَنْ يَرُدَّ لِطَاوُوسٍ الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ ... فَنَصَبَ لَهُ شَرَكاً مِنْ شِرَاكِهِ حَيْثُ أَعَدَّ صُرَّةً فِيهَا سُبْعُمَائَةِ دِينَارٍ ذَهَباً.

وَاخْتَارَ رَجُلاً حَاذِقاً مِنْ رِجَالِ حَاشِيَتِهِ وَقَالَ لَهُ: امْضِ بِهَذِهِ الصُّرَّةِ إِلى طَاوُوسِ بنِ كَيْسَانَ وَاحْتَلْ عَلَيْهِ فِي أَخْذِهَا فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْكَ أَجْزَلْتُ عَطِيَّتَكَ وَكَسَوْتُكَ وَقَرَّبْتُكَ.

فَخَرَجَ الرَّجُلُ بِالصُّرَّةِ حَتَّى أَتَى طَاوُوساً فِي قَرْيَةٍ كَانَ يُقِيمُ بِهَا بِالْقُرْبِ مِنْ صَنْعَاءَ يُقَالُ لَهَا: (الْجَنَد) فَلَمَّا ثَارَ عِنْدَهُ حَيَّاهُ وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَذِهِ نَفَقَةُ بَعْثَ بِهَا الأَمِيرُ إِلَيْكَ فَقَالَ: مَا لِي بِهَا مِنْ حَاجَةٍ.

فَاحْتَالَ عَلَيْهِ بِكُلَّ طَرِيقٍ لِيَقْبَلَهَا فَأَبَى ... وَأَدْلَى لَهُ بِكُلِّ حُجَّةٍ فَرَفَضَ.

فَمَا كَانَ مِنْهُ إِلا أَنْ اغْتَنَمَ غَفْلَةً مِنْ طَاوُوسِ وَرَمَى بِالصُّرَّةِ فِي كُوَّةٍ كَانَتْ بِجِدَارِ الْبَيْتِ وَعَادَ رَاجِعاً إِلى الأَمِيرِ وَقَالَ: لَقَدْ أَخَذَ طَاوُوسٌ الصُّرَّةَ أَيَّهُا الأَمِيرُ فَسُرَّ لِذَلِكَ مُحَّمَدُ بنُ يُوسُفَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>