فَلَمَّا مَضَتْ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٌ عِدَّةٌ أَرْسَلَ اثْنَيْنِ مِنْ أَعْوَانِهِ، وَمَعَهُمَا الرَّجُلُ الذِي حَمَلَ إِلَيْهِ الصُّرَّةِ ... وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَقُولا لَهُ: إِنَّ رَسُولَ الأَمْيَرِ قَدْ أَخْطَأَ فَدَفَعَ إِلَيْكَ الْمَالَ، وَهُوَ مُرْسَلٌ لِغَيْرِكَ، وَقَدْ أَتَيْنَا لِنَسْتَرِدَّهُ مِنْكَ وَنَحْمِلَهُ إِلى صَاحِبِهِ.
فَقَال َطاَوُوسٌ: مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِ الأَمِيرِ شَيْئاً حَتَّى أَرُدَّهُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: بَلْ أَخَذْتَهُ.
فَالْتَفَتَ إِلى الرَّجُلِ الذِي حَمَلَ إِلَيْهِ الصُّرَّةِ وَقَالَ لَهُ: هَلْ أَخَذْتَ مِنْكَ شَيْئاً؟!
فَأَصَابَ الرَّجُلُ ذُعْرٌ وَقَالَ: كَلا، وَإِنَّمَا وَضَعْتُ الْمَالَ فِي هَذِهِ الْكُوَّةِ فِي غَفْلَةٍ مِنْكَ. فَقَالَ طَاوُوسٌ: دُونَكُمَا الْكُوَّةَ فَانْظُرَا فِيهَا: فَنَظَرَا فِي الْكَوَّةِ، فَوَجَدَا فِيهَا الصُّرَّةَ كَمَا هِيَ وَقَدْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْعَنْكَبُوتُ بِنَسْجِهِ فَأَخَذَاهَا وَعَادَا بِهَا إِلى الأَمِيرُ.
حَدَّثَ طَاوُوسُ بنُ كَيْسَانَ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي مَكَّةَ حَاجّاً بَعَثَ إِلَيَّ الْحَجَّاجُ بِنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِي وَأَدْنَى مَجْلِسِي مِنْهُ ... وَطَرَحَ لِي وِسَادَةً وَدَعَانِي لأَنْ أتَّكِئُ عَلَيْهَا ... ثُمَّ رَاحَ يَسْأَلُنِي عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَغَيْرِهَا.
وَفِيمَا نَحْنُ كَذَلِكَ سَمِعَ الْحَجَّاجُ مُلَبِّياً يُلَبِّي حَوْلَ الْبَيْتِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَهُ نَبْرَةٌ تَهُزُّ الْقُلُوبَ هَزّاً.
فَقَالَ: عَلَيَّ بِهَذَا الْمُلَبِّي.
فَأُتِيَ لَهُ بِهِ فَقَالَ لَهُ: مِمَّنْ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute