فَقَالَ: لَمْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا، وَإِنَّمَا سَأَلْتُكَ عَنْ الْبَلَدِ؟
فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ.
فَقَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَكُمْ (يَعْنِي أَخَاهُ) ؟
فَقَالَ: تَرَكْتُهُ عَظِيماً، جَسِيماً ... لَبَّاساً، رَكَّاباً ... خَرَّاجاً، وَلاجاً ...
فَقَالَ: لَيْسَ عَنْ ذَا سَأَلْتُكَ؟
فَقَالَ: عَمَّ سَأَلْتَنِي إِذَنْ؟
فَقَالَ: سَأَلْتُكَ عَنْ سِيرَتِهِ فِيكُمْ؟
فَقَالَ: تَرَكْتُهُ ظَلُوماً غَشُوماً ... مُطِيعاً لِلْمَخْلُوقِ عَاصِياً لِلْخَالِقِ.
فَاحْمَرَّ وَجْهُ الْحَجَّاجِ خَجَلاً مِنْ جُلَسَائِهِ وَقَالَ لِلرَّجُلُ:
مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ فِيهِ مَا قُلْتَهُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَكَانَهُ مِنِّي؟!
فَقَالَ: أَتَرَاهُ بِمَكَانِهِ مِنْكَ أَعَزَّ مِنِّي بِمَكَانِي مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟
وَأَنَا وَافِدُ بَيْتِهِ ... وَمُصَدِّقُ نَبِيِّهِ ... وَقَاضِي دِينِهِ ...
فَسَكَتَ الْحَجَّاجُ وَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً.
قَالَ طَاوُوسٌ: ثُمَّ مَا لَبِثَ الرَّجُلُ أَنْ قَامَ، وَانْصَرَفَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَوْ يُؤْذَنَ لَهُ.
فَقُمْتُ فِي إِثْرِهِ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: إِنَّ الرَّجُلَ صَالِحٌ فَاتْبَعْهُ وَاظْفَرْ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُغَيِّبَه عَنْ عَيْنَيْكَ جُمُوعُ النَّاسِ.
فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُه قَدْ أَتَى الْبَيْتَ وَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِهِ وَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى جِدَارِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ بِكَ أَعُوذُ ... وَبِجَنَابِكَ أَلُوذُ ... اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي الاطْمِئْنَانِ إِلى جُودِكَ وَالرِّضَا بِضَمَانِكَ مَنْدُوحَةً عَنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَغِنَىً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ ... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فَرَجَكَ الْقَرِيب ... وَمَعْرُوفَكَ الْقَدِيم وَعَادَتَكَ الْحَسَنَة يَا رَبَّ الْعَالَمِين.