ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى فِي تَصَرُّفَاتِهِ تِلْكَ اجْتِرَاءً عَلَيْهِ، وَنَيْلاً مِنْ هَيْبَتِهِ أَمَامَ جُلَسَائِهِ، وَرِجَالِ حَاشِيَتِهِ ...
بَيْدَ أَنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ فِي حَرَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَالَ لِطَاوُوس: مَا حَمَلَكَ يَا طَاوُوسُ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟!
فَقَالَ: وَمَا الذِي صَنَعْتُهُ؟!
خَلَعْتَ نَعْلَيْكَ بِحَاشِيَةِ بِسَاطِي ...
وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيَّ بِإمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ...
وَسَمَّيْتَنِي بِاسْمِي وَلَمْ تُكَنِّنِي ...
ثُمَّ جَلَسْتُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِي.
فَقَالَ طَاوُوسٌ بِهُدُوء: أَمَّا خَلْعُ نَعْلِي بِحَاشِيَةِ بِسَاطِكَ فَأَنَا أَخْلَعُهُمَا بَيْنَ يَدَيْ رِبِّ الْعِزَّةِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّات ...
وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي لَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ بِإمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ... فَلأَنَّ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا رَاضِينَ بِإمْرَتِكَ ...
وَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ كَاذِباً إِذَا دَعَوْتُكَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَأَمَّا مَا أَخَذْتَهُ عَلَيَّ مِنْ أَنِّي نَادَيْتُكَ بِاسْمِكَ وَلَمْ أُكَنِّكَ ... فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَادَى أَنْبِيَاءَهُ بِأَسْمَائِهِمْ فَقَالَ: يَا دَاوُود ... يَا يَحْيَى ... يَا عِيسَى ...
وَكَنَّى أَعْدَاءَهُ فَقَالَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} .
وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنِّي جَلَسْتُ قَبْلَ أَنْ تَأْذَنَ لِي فَإِنِّي سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ:
(إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلى رَجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَانْظُرْ إِلى رَجُلٍ جَالِسٍ، وَحَوْلَهُ قَوْمٌ قِيَامٌ بَيْنَ يَدَيْهِ) .
فَكَرِهْتُ أَنْ تَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الذِي عُدَّ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.