فَرَكَبَ الْمَلِكُ يَوْماً فَسَمِعَ شَيْخاً) أَيْ قَدْ شَابَ رَافِعاً صَوْتَهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ لِبَعْضِ أَعْوَانِهِ: خُذُوهُ فَلَمَّا أَخَذُ ذَلِكَ الشَّائِب الذي رَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ: إِنَّ رَبِّي الله.
فَقَالَ الْوَزِيرُ خَلُّوا عَنْهُ فَخُلِّيَ عَنْهُ فَغَضِبَ الْمَلِكُ عَلَى الْوَزِير وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكَنُه الإِنْكَارُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَسَكَتَ الْمَلِكُ لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ فِعْلَ الْوَزِيرَ كَانَ بَأَمْرِهِ.
فَلَمَّا عَادَ الْمَلِكُ إِلى قَصْرِهِ أَحْضَرَ الْوَزِيرَ وَقَالَ لَهُ: مَا الذِي دَعَاكَ إِلى مُنَاقَضَةِ أَمْرِي بِمَشْهَدٍ مِنْ عَبِيدِي.
فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ: إِنْ لمِ يَعْجَل الْمَلكُ عَلَيَّ أَرَيْتُهُ وَجْهَ نُصْحِي لَهُ وَشَفَقَتِي عَلَيْهِ فِيمَا أَتَيْتُهُ فَقَالَ الْمَلِكُ: أَرِنِي ذَلِكَ فَإِنِّي لا أَعْجَلُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ الْوَزِيرُ أَسْاَلُ الْمَلكَ أَنْ يَخْتَبِئ فِي مَجْلِسه هَذَا خَلْفَ حِجَاب بِحَيْثُ أَنَّهُ لا يَرَى وَيَسْمَع مَا يَكُونُ مِنِّي فَقَعَدَ الْمَلِكُ لِذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الْوَزِيرَ أَحْضَرَ قَوْساً جَيِّدَةً صَنَعَهَا لِلْمَلِكِ بَعْضُ خَدَمِِهِ وَكَتَبَ الصَّانِعُ اسْمَهُ عَلَيْهَا فَأَعْطَى الْقُوسَ غُلاماً لَهُ.
وَقَالَ لَهُ: إِنِّي سَأَحْضِرُ صَانِعَ هَذِهِ الْقَوْسِ فَإِذَا حَضَرَ وَحَادَثْتُهُ فَاقْرَأ أَنْتَ اسْمَ صَاحِبِهَا جَهْراً حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَكَ ثُمَّ اكْسُرْهَا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْكَ.
فَحَضَّرَ الْقَوْسَ وَفَعَلَ الْغُلامُ مَا أُمَرَهُ بِهِ الْوَزِيرُ فَلَمَّا كَسَرَ الْقَوْسَ لَمْ يَتَمَالَكْ صَانِعُ الْقَوْسِ أَنْ ضَرَبَ الْغُلامَ فَشَجَّهُ.
فَقَالَ الْوَزِيرُ أَتَضْرِبُ غُلامِي بِحَضْرَتِي؟ قَالَ: نَعَمْ لأَنَّهُ كَسَرَ الْقَوْسَ الَّتِي هِيَ صَنْعَتِي وَعَمَلِي وَهِيَ فِي نِهَايَةِ الْجَوْدَة وَالْحُسْنِ فَلأَيّ شَيْءٍ كَسَرَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا صَنْعَتِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute