للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد سلب الآجل بالميسور النزر ورضي بالعيش الكدر.

والخصلة الرابعة: تواضعه للناس وهم أتباع وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس على التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحيائه، فصار بالتواضع متميزاً، وبالتذلل متغززاً.

ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فَقَالَ خفض عَلَيْكَ فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تنذر فتعد ولم تحصر فتجد.

والخصلة الخامسة: حلمه ووقاره عن طيش يهزه أو خرق يستفزه فقد كان أحلم في النفار من كل حليم وأسلم في الخصام من كل سليم.

وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفظ عليه بادرة ولا حليم غيره إلا ذو عثرة ولا وقور سواه إلا ذو هفوة فإن الله تعالى عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة لهفوة أو عثرة ليكون بأمته رؤوفاً وعلى الخلق عطوفا قد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم.

وما تفرد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم بل تمالا عليه الجلة والدون، فكلما كانوا عليه من الأمر – ألح كان عنهم أعرض وأصفح حتَّى قهر فعفا، وقدر فغفر.

(وَقَالَ لهم) حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه ما ظنكم بي قَالُوا ابن عم كريم فإن تعف فذاك الظن بِكَ وإن تنقم فقد أسأنا فَقَالَ بل أقول كما قَالَ يوسف لإخوته {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>