الباهرة، وهو أمي من أمه أمية لم يقرأ كتاباً ولا درس علماً ولا صحب عالماً ولا معلماً فأتى بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر فلم يعثر فيه بزلل في قول أو عمل.
وقد شرع من تقدم من حكماء الفلاسفة سنناً حملوا الناس على التدين بها حين علموا أنه «لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به» فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر.
والخصلة الثانية: حفظه لما أطلعه الله تعالى عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتَّى لم يعزب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير.
وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه وما ذاك إلا من ذهن صحيح وصدر فسيح وقلب شريح وهذه الثلاثة آلة ما أستودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوة فجدير أن يكون بها مبعوثاً وعلى القيام بها محثوثاً
والخصلة الثالثة: إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتَّى لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول.
ولذلك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً» لأنه نبه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلا وهو عليه معان وإليه مقاد.
والخصلة الرابعة: ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التعطف على الضعفاء والأيتام.