للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآثر بكل مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير لطعام أهله.

وقد ملك جزيرة العرب فيها ملوك وأفيال لهم خزائن وأموال يقتنونها ذخراً ويتباهون بها فخراً ويستمتعون بها أشراً وبطراً وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى ديناراً ولا درهماً لا يأكل إلا الخشن ولا يلبس إلا الخشن.

ويعطي الجزل الخطير ويصل الجم الغفير ويتجرع مرارة الإقلال ويصبر على سغب الاختلال وكان يقول «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً أو ضياعاً فعليَّ ومن ترك مالاً ترك فلورثته» فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود أم هل هذا لمثل هذا الإعراض والزهادة إعراض وزهد هيهات.

هل يدرك شأو من هذه شذور من فضائله ويسير من محاسنه التي لا يحصى لها عدداً ولا يدرك لها أمداً لم تكمل في غيره فيساويه ولا كذب بها ضد يناويه ولقد جهد كل منافق ومعاند وكل زنديق وملحدٍ أن يزري عليه في قول أو فعل.

أو يظفر بهفوة في جد أو هزل فلم يجد إليه سبيلاً ود جهد جهده وجمع كيده.

فأي فضل أعظم من فضل شاهده الحسدة والأعداء فلم يجدوا فيه مغمزاً لثالب أو قادح ولا مطعناً لجارح أو فاضح فهو كما قَالَ الشاعر:

شَهِدَ الأَنَامُ بِفَضْلِهِ حَتَّى الْعِدَا ... وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ الأَعْدَاءُ

وقول لآخر:

مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ ... وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>