للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبدلت طبائعهم بقدرة الله تعالى من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم ومن الفسق والقسوة إلى العدل العظيم الَّذِي لم يبلغه أكابر الفلاسفة وأسقطوا كلهم أولهم عن آخرهم طلب الثأر وصحب الرجل منهم قاتلَ ابنه وأبيه وأعدى الناس له صحبة الأخوة المتحابين دون خوف يجمعهم ولا رياسة ينفردون بها دون من أسلم من غيرهم ولا مال يتعجلونه فقد علم الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكيف كانت طاعة العرب لهما بلا رزق ولا عطاء ولا غلبة.

فهل هذا إلا بغلبة من الله تعالى نفوسهم كما قَالَ {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ثم بقي عليه الصلاة والسلام كذلك بين أظهرهم بلا حارس ولا ديوان جند ولا بيت مال محروساً معصوماً.

وَقَالَ ابن حزم رحمه الله أيضاً قبل ذلك: كانت العرب بلا خلاف قوماً لقاحاً لا يملكهم أحد كمضر وربيعة وإياد وقضاعة أو ملوكاً في بلادهم يتوارثون الملك كابراً عن كابر كملوك اليمن وعمان وشهر بن آرام ملك صنعا والمنذر بن ساوي ملك البحرين والنجاشي ملك الحبشة وجيفر وعياذ ابني الجلندي وملكي عمان فانقادوا كلهم لظهور الحق وبهوره وآمنوا به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طوعاً وهم آلاف آلاف وصاروا إخوة كبني أب وأم وانحل كل من أمكنه الانحلال عن ملكه منهم إلى رسله طوعاً بلا خوف غزو ولا إعطاء مالٍ ولا طمع في عز بل كلهم أقوى جيشاً من جيشه وأكثر مالاً وسلاحاً منه وأوسع بلداً من بلده كذي الكلاع وكان ملكاً ابن ملوك متوجين تسجد له جميع رعيته يركب أمامه

<<  <  ج: ص:  >  >>