ثم قَالَ الإمام ابن حزم وأيضاً فإن سيرة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة وتشهد له بأنَّهُ رَسُولِ اللهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقاً فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكفى وذلك أنه عليه الصلاة والسلام نشأ كما قلنا في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب ولا خرج عن تلك البلاد قط إلا خرجتين.
إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ورجع والأخر أيضاً إلى أول الشام ولم يطل بها البقاء ولا فارق قومه قط ثم أوطأه الله تعالى رقاب العرب كلها فلم تتغير نفسه ولا حالت سيرته إلى أن مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله.
أصواع ليست بالكثيرة ولم يبت قط في ملكه دينار ولا درهم وكان يأكل على الأرض ما وجد ويخصف نعله بيدِهِ ويرفع ثوبه ويؤثر على نفسه وقتل رجل من أفاضل أصحابه مثل فقده يهد عسكراً قتل بين أظهر أعدائه من اليهود فلم يتسبب إلى دمائهم ولا إلى دم واحد منهم ولا إلى أموالهم بل فداه من عند نفسه بمائة ناقة.
وهو في تلك الحال محتاج إلى بعير واحد يتقوى به وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا من أصحاب بيوت الأموال بوجه من الوجوه ولا يقتضي هذا أيضاًَ ظاهر السيرة والسياسة فصح يقيناً بلا شك أنه إنما كان متبعاً ما أمر به ربه عز وجل سواء كان ذلك مضراً به في دنياه غاية الإضرار أو كان غير مضر به وهذا عجيب لمن تدبره.