للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.. وَرَاوَدَتْهُ الْجِبَالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهَبٍ ... عَنْ نَفْسِهِ فَأَرَاهَا أَيَّمَا شَمَمِ

وكم عسى أن نذكر من فضائل لا تحصى، ومحاسن لا تستقى.

وثانيها: معاداتهم لقراباتهم، وأرحامهم الَّذِينَ جبلت الطباع على محبتهم، وعلى رجاء الاستنصار لهم بحيث تركوا مناهج آبائهم التي ولع الطبع بإتباعها وعادوا عشيرتهم التي يتقى من كل عدو بمحاماتها ولقوا في الصبر عنهم الحتوف ووقعوا في الدنيا لذلك في أعظم مخوف.

هذا نوح عليه السلام ترك ابنه وفلذة كبده وماء سواد عينه وريحانة فؤاده مع الغرقى وأستغفر من دعائه أن لا يهلك مع الهلكى، وهذا إبراهيم عليه السلام تبرأ من أبيه لما تبين له أنه عدو لله وعزم على ذبح ولده الَّذِي هو قرة عينه ومزنة غيثه وأحب الناس إليه، وأعزهم عليه.

وهذا مُحَمَّد الَّذِي شهد العدو والصديق بأنه أبر الخلق بعامة أمته دع عنك خاصة رحامته، حتَّى إن الله عاتبه على كثرة رحمته فَقَالَ {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ترك الثناء على أمه وأبيه والذكر لهما والترحم عليهما، وولع بذكر النجاشي وصلى عليه وأثنى علي سلمان الفارسي وأهدى ثمرات الجميل إليه وأمثالهما ممن لم يلتصق عرقه بعرقه، ولم يلتحم نجره بنجره. وقد أجمع الأصدقاء والأعداء والكفرة والبررة على أن الأنبياء عليهم السلام كانوا أعقل الناس، وأوقر الخلق، أما الْمُسْلِمُونَ فعقائدهم فيها ظاهرة، وأما الكفار فيقولون إنهم بحسن تدبيرهم ولطف دهائهم شرعوا شرائع وإستمالوا خلائق، ودان لهم من الناس عوالم.

فكيف ترى هؤلاء العقلاء الحذاق يعادون أرحامهم ويصادقون من لم تتصل وشيجة نسب بينه وبينهم ويتركون ما في موالاة العشيرة من الأنتصار عند الهضم والسلامة من الظلم، ويتحملون مضار عداوتهم، عوضاً من منافع ولا يتهم، لغير غرض يعود عليهم، ولا فائدة ترجع إليهم.

وثالثها: إنهم فقراء مساكين تقتحمهم العيون وتزدريهم القلوب ولا يغلب في ظن عاقل ولا فراس حاذق، أن من الفقر صفته والنزاع لجميع من في العالم طلبته يساعد على إثارة الفتن وتهييج الحروب بين البشر، ولا يبلغ إلى أمل، ولا يزكو له عمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>