للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كموسى وهرون حين أتيا فرعون لابسين لعباء الصوف ومرقعات المسوح منتقلين من مراعي الغنم إلى معارضات الملوك، مظهرين لمخاشنتهم، مفصحين بالترقع عليهم بغير عدة ولا مال، ولا قوة ولا رجال. فأتياه على هذه الحال التي لا يؤبه لصاحبها ولا تمتلئ عين من النظر إلى من جاء عليها، وجواهر التيجان تلمع على جبينه وأنطاع ضرب الأعناق معدة لمن أغضبه عن شماله ويمينه فأتياه بأعظم ما يوجب ضرب أعناقهما وأكبر ما يجرؤه على قتلهما لا ترتعد لهما فريصة، ولا يخافان من الدنيا نقيصة.

وهذا مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ آلِهِ وَسَلَّمَ جاء إلى قريش، وقام في جاهلية العرب، وأنوفهم تعط بالكبر وألْسِنَتُهُمْ لا تَنْطِقُ إلاَّ بالفخر يرون أن يبيد أولهم وآخرهم ويفنى أصاغرهم وأكابرهم على أيسر عار يلم بساحاتهم، وأهون نقص يدنو من أنسابهم فجاء وحيداً من الناصر فقيراً من المال يسب ألهتهم، ويلهب أفئدتهم ويسفه أحلامهم.

يتيم قد مات أبواه وأسترضع في غير قومه وكفله من شدة فقر أبيه عمه

فبينما هو يتيم مكفول في حجر من هب فخره مهب الجنوب والقبول إذ قام يعيب على كافله دينه ويسفه رأيه، ولا يستريب من شجعان العرب المشاهير أن عارضهم جميعاً، وأنفرد بعداوتهم وحيدًا.

ورابعها: حصول أغراضهم كما قَالَ تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} وكما ثبت في البخاري من حديث ابن عباس {ثُمَّ تَكُونُ لَهم الْعَاقِبَةُ} وكذلك وقع ولله الحمد.

فإن أحداً ممن طلب الدنيا والراحة والملك والرياسة من الفلاسفة والمنجمين والمشعوذين والمرجمين بل من أهل الأموال والعشائر، وأرباب الخدم والعساكر من ملوك حمير والتبابعة والقياصرة والأكاسرة ما بلغ مِمَّا بلغ منه مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ آلِهِ وَسَلَّمَ المعشار، ولا استدام له بعد موته، ما استدام لمُحَمَّد ?.

<<  <  ج: ص:  >  >>