والانْكِسَارِ وَدَوَامِ اللجُوءِ إِلى اللهِ تَعَالى وَالافْتِقَارِ إليه وَرُؤْيَةِ عُيُوبِ نَفْسِهِ وَجَهْلِهَا وَعُدْوَانِهَا وَمُشَاهَدَةِ فَضْلِ رَبِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ وَجُودِهِ وَبِرِّهِ وَغِنَاهُ وَحَمْدِهِ. فالعارفُ: سَائِرُ إلى اللهِ تَعَالى بَيْنَ هَذَيْنِ الْجِنَاحَيْنِ لا يُمْكِنَهُ أنْ يَسِيرَ إلا بِهِمَا فَمَتَى فَاتَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُوَ كالطَّيْرِ الذي فُقِدَ أَحَدُ جِنَاحَيْهِ.
وقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةِ رَحِمَهُ اللهُ: العَارِفُ يَسِيرُ إلى اللهِ بَيْنَ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ وَمُطَالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالعَمَلِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنَعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ» . فَجَمَعَ فِي قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُوءُ لَكَ بِنَعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي» . بَيْنَ مُشَاهَدَةِ الْمِنَّةِ وَمُطَالَعَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ.
فَمُشَاهَدَةُ الْمِنَّةِ تُوجِبُ الْمَحَبَّةَ وَالْحَمْدَ والشُّكْرَ لِوَلِيّ النِّعَمِ وَالإِحْسَانِ وَمُطَالَعَة عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ تُوجِبُ لَهُ الذُّلَّ وَالاِنْكِسَارَ وَالافْتِقَارَ وَالتَّوْبَةَ فِي كُلِّ وقت وَأَنْ لا يَرَى نَفْسَهُ إِلا مُفْلِسًا وَأَقْرَبُ بَابٍ يَدْخُلُ مِنْهُ العَبْدُ عَلَى الله تعالى هُوَ بَابُ الإِفْلاسِ فَلا يَرَى لِنَفْسِهِ حَالاً وَلا مَقَامًا وَلا سَبَبًا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلا وَسِيلَة مِنْهُ يَمُنُّ بِها.
بَلْ يَدْخُلُ عَلَى اللهِ مِنْ بَابِ الافْتِقَارِ الصَّرْفِ وَالإِفْلاسِ الْمَحْضِ دُخُولَ مِنْ كَسَرَ الفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ قَلْبَهُ حَتَّى وَصَلَتُ تِلْكَ الكَسْرَةُ إلى سُوَيْدَائِهِ فَانْصَدَعَ وَشَمَلَتْهُ الكَسْرَةُ مِنْ كُلِّ جِهَاتِهِ وَشَهِدَ ضَرُورَتَهُ إلى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَمَالَ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ إِلَيْهِ وَأَنَّ فِي كُلِّ ذَرَةٍ مِنْ ذَرَّاتِهِ الظَّاهِرَةِ فَاقةٌ تَامةٌ وَضَرُورَةً إلى رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى وَأَنَّهُ إِنْ تَخَلَّى عَنْهُ طَرْفَةَ عين هَلَكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute