فَاحْمَرَ وَجْهَهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَجَذَبَ الرِّسَالَةَ مِنْ يَدِ كَاتِبِهِ، وَجَعَلَ يُمَزِّقُهَا، دُونَ أَنْ يَعْلَمَ مَا فِيهَا، وَيَقُولُ: أَيَكْتُبْ لِي بِهَذَا وَهُوَ عَبْدِي.
ثُمَّ أَمَرَ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ حُذَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأُخْرِجَ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ لا يَدْرِي مَاذَا يَكُونُ بَعْدُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ قَالَ: وَاللهِ مَا أُبَالِي عَلَى أَيُّ حَالٍ أَكُونَ بَعْدُ أَنْ أَدَّيْتُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَرَكِبَ رَاحِلَتُهُ وَانْطَلَقَ.
وَلَمَّا سَكَتَ غَضَبَ كِسْرَى، أَمَرَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَيْهِ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَرْسَلُوا فِي أَثَرِهِ، وَطَلَبَوُهُ فِي الطَّرِيقِ، فَلَمْ يَجِدُوُه، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ كِسْرَى، وَتَمْزِيقِهِ الْكِتَابَ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلامُ عَلَى أَنْ قَالَ: «مَزَّقَ الله مُلْكَهُ» .
أَمَّا كِسْرَى فَكَتَبَ إِلَى بَاذَانِ نَائِبِهِ عَلَى الْيَمَنِ، أَنْ ابْعَثْ إِلَى هَذَا الرجل الَّذِي ظَهَرَ بِالْحِجَازِ رَجُلَيْنِ جَلِدَيْنِ مِنْ عِنْدِكَ، وَمُرْهُمَا أَنْ يَأْتِيَانِ بِهِ، وَحَمَّلَهُمَا رِسَالةً لَهُ يَأْمُرهُمَا بِأَدَائِهَا لَهُ، وَيَأْمُرْهُ فِيهَا بِأَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا إِلَى لِقَاءِ كِسْرى دُونَ إِبْطَاءٍ.
وَطَلَبَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَقِفَانِ عَلَى خَبَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَسْتَقْصِيَا أَمْرَهُ، وَأَنْ يَأْتِياهُ بِمَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِ مِنْ مَعْلُومَاتٍ.
فَخَرَجَ الرَّجُلانِ حَتَّى بَلَغَا الطَّائِفَ، فَوَجَدَا رِجَالاً تُجَّارًا مِنْ قُرِيْشٍ فَسَأَلاهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالُوا: هُوَ فِي يَثْرِب، ثُمَّ مَضَى التُّجَّارِ إِلَى مَكَّةَ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ، وَجَعَلُوا يُهَنُّونَ قُرَيْشًا، وَيَقُولُونَ: قُرُّوا عَيْنًا فَإِنَّ كِسْرَى تَصَدَّى لِمُحَمَّدٍ وَكَفَاكُمْ شَرَّهُ.
أَمَّا الرَّجُلانِ فَيَمِمَّا وَجْهَيْهِمَا شَطْرَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا وَصَلا إِلَيْهِمَا، لَقِيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute