للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ قَابَلُوا زِيَادَةً الْقُوةِ وَالْعِزَّةِ بِالتَّهَوْرِ وَالتَّفَنُنِ فِي التَّعْذِيبِ وَتَرْوِيعِهِمْ وَإِزْعَاجِهِمْ وَأَذَاقُوهُمْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ.

عَنْدَ ذَلِكَ أَذِنَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَعَزَمَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَزَوْجُهَا عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَكِنَّ هِجْرَتَهُمَا لَمْ تَكُنْ كَمَا ظَنَّا أَنَّهَا سَهْلَةٌ بَلْ كَانَتْ صَعْبَةً عَسِرَةً خَلَّفَتْ وَرَاءَهَا مَأْسَاةً تَهُونُ دُونَهَا كُلَّ مَأْسَاةٍ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: وَلَمَّا عَزَمَ أَبُو سَلَمَة عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَعَدَّ لِي بَعِيرًا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهِ وَجَعَلَ طَفْلَنَا سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَمَضَى يَقُودُ بِنَا الْبَعِيرَ، وَهُوَ لا يَلْوي عَلَى شَيْء، وَقَبْلَ أَنْ نََفْصِِلَ عَنْ مَكَّةَ رَأَنَا رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَتَصَدُّوا لَنَا.

وَقَالُوا لأَبِي سَلَمَة: إِنْ كُنْتَ قَدْ غَلَبْتَنَا عَلَى نَفْسِكَ فَمَا بَالُ امْرَأَتَكَ وَهِي بِنْتِنَا، فَعَلامَ نَتْرُكُكَ تَأْخُذهَا مِنَّا وَتَسِيرُ بِهَا ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَانْتَزَعُونِي، وَمَا إِنْ رَآهُمْ قَوْمَ زَوْجِي بَنُو عَبْدِ الأَسَدِ يَأْخُذُونَنِي أَنَا وَطِفْلِي حَتَّى غَضِبُوا غَضَبًا شَدِيدًا.

وَقَالُوا: لا وَاللهِ لا نَتْرُكَ الْوَلَدَ عِنْدَ صَاحِبَتْكُمْ بَعْدَ أَنْ انْتَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا انْتِزَعًا فَهُوَ ابْنُنَا وَنَحْنُ أَوْلَى بِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ طَفِقُوا يَتَجَاذَبُونَ الطِّفْلَ بَيْنَهُمْ حَتَّى ضَرُّوا يَدَهُ وَأَخَذُوهُ.

وَبَعْدَ لَحَظَاتٍ وَجَدْتُ نَفْسِي مُمَزَّقَةَ الشَّمْلِ وَحِيدَةً فَرِيدَةً فَزَوْجِي اتَّجَهَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِرَارًا بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِي اخْتَطَفَهُ بَنُو عَبْدِ الأسَدِ مِنْ بَيْنَ يَدَيَّ خَطْفًا مُحَطَّمًا مُهَيَّضًا.

أَمَّا أَنَا فقَدْ اسْتَوْلَى عَليَّ بَنُو مُخْزُومٍ قَوْمِي وَجَعَلُونِي عِنْدَهُمْ فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابَنِي فِي سَاعَةٍ قَالَتْ، وَمَنْ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَخْرَجَ كُلَّ غَدَاةٍ إَِلَى الأَبْطَحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>