للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَجْلِسُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي شَهِدَ مَأْسَاتِي، وَاسْتَعِيدُ فِيهَا صُورَةَ اللحَظَاتِ الَّتِي حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَوَلَدِي فِيهَا.

وَأَظَلُّ أَبْكِي حَتَّى يُخَيَّمَ عَلَيَّ الليلِ وَبَقِيتُ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، قَالَتْ: إِلَى أَنْ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بِنِي عَمِّي فَرَقَّ لِحَالِي وَرَحِمَنِي، قَالَ لِبَنِي قَوْمِي: أَلا تَطْلِقُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا وَمَا زَالَ بِهُمْ حَتَّى قَالُوا لِي: الْحِقِي بِزَوْجِكِ إِنْ شَئْتِ.

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: وَلَكِنْ كَيْفَ لِي أَنْ أَلْحِقْ بِزَوْجِي فِي الْمَدِينَةِ وَاتْرُكُ فَلِذَةَ كَبْدِي وَلَدِي فِي مَكَّة عِنْدَ بَنِي عَبْد الأَسَدِ. قَالَتْ: وَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ مَا أُعَالَجُ مِنْ أَحْزَانٍ وَأَشْجَانٍ فَرَقَّتْ قُلُوبُهُمْ لِحَالِي وَكَلَّمُوا بَنِي عَبْد الأَسَد فِي شَأْنِي وَاسْتَعْطَفُوهُمْ عَلَيَّ فَرَدُّوا لِي وَلَدِي سَلَمَة. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: فَأَعْدَدْتُ بَعِيرِي وَوَضَعْتُ وَلَدِي فِي حِجْرِي وَخَرَجْتُ مُتَوَجِّهَةً إِلَى الْمَدِينَةِ أُرِيدُ زَوْجِي وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ.

قَالَتْ: وَمَا وَصَلْتُ التَّنْعِيمَ حَتَّى لَقِيتُ عُثْمَانَ بن طَلْحَة فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ زَادَ الرَّاكِبِ؟ فَقُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي فِي الْمَدِينَةِ. قَالَ: أَمَا مَعَكِ أَحَدٌ؟ قُلْتُ: لا وَاللهِ إِلا الله. ثُمَّ ابَنِي هَذَا. قَالَ عثمانُ: وَاللهِ لا أَتْرُكِكِ أَبَدًا حَتَّى تَبْلُغِي الْمَدِينَة. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَة: ثُمَّ أَخَذَ بِخُطَامِ بَعِيرِي وَانْطَلَقَ يَهْوِي بِي قَالَتْ: فوَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَكْرَمَ مِنْهُ وَلا أَشْرَفَ وَسَارَ مَعِي حَتَّى بَلَغْنَا الْمَدِينَةَ.

فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقَرْيَة بِقِبَاء لِبَنِي عَمْرُو بن عَوْفٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَة فَادْخُلِيهَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى مَكَّة وَنَزَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا وَقَرَّتْ عَيْنُهَا بِهِ وَبِوَلَدِهَا.

ثُمَّ بَعْدُ ذَلِكَ شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بَدْرًا وَعَادَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ انْتَصَرُوا نَصْرًا مُؤْزَّرًا، وَشَهِدَ أُحُدًا وَأَبْلَى بَلاءً حَسَنًا، لَكِنَّهُ خَرَجَ مَنْهَا وَقَدْ جُرِحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>