للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُرْحًا بَلِيغًا فَمَا زَالَ يُعَالِجَهُ حَتَّى تَوَارَى لَهُ أَنَّهُ قَدْ انْدَمَلَ وَالْتَأَمَ.

لَكِنِ الْجُرْحُ كَانَ بِنَاؤهُ عَلَى فَسَادٍ، فَمَا لَبِثَ أَنْ نَفَرَ وَالْزَمَ أَبَا سَلَمَة الْفَرَاش.

وَبَيْنَمَا أَبُو سَلَمَة يُعَالِجُ جَرْحَه قَالَ لِزَوْجَتِهِ: يَا أُمَّ سَلَمَة سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ:

«لا يُصِيبُ أَحَدًا مُصِيبَةً فَيَسْتَرْجِعُ عِنْدَ ذَلِكَ ويَقُولُ: «اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسِبُ مُصِيبَتِي هَذِهِ، اللَّهُمَّ اخُلُفْنِي خَيْرًا مَنْهَا إِلا أَعْطَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ» .

وَظَلَّ أَبُو سَلَمَةَ عَلَى فراشِ مَرَضِهِ أَيَّامًا وَفِي ذَات صَبَاحٍ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَيْتِهِ لِيَعُودُهُ، فَلَمْ يَكَدْ يُجَاوِزُ بَابَ الدَّارِ حَتَّى فَارَقَ أَبُو سَلَمَةَ الْحَيَاةَ.

فَأَغْمَضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا سَلَمَةَ وَقَالَ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ اتْبَعَهُ الْبَصَرُ وَرَفَعَ - صلى الله عليه وسلم - طَرْفُهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَة وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ وَافْسَحْ لَهُ قَبْرَهُ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» . ثُمَّ مَا كَادَتْ تَخْرُجُ مِنْ حِدَادٍ حَتَّى تَتَابَعَ عَلَيْهَا الْخُطَّاب فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهَا يَخْطُبُهَا فَأَبَتْ أَنْ تَسْتَجِيبَ لَهُ. ثُمَّ تَقَدَمَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ فَرَدَّتْهُ كَمَا رَدَّتْ صَاحِبَهُ.

ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فِيَّ خِلالاً ثَلاثًا فَأَنَا امْرَأَةٌ شَدِيدَةُ الْغَيْرَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَرَى شَيْئًا مِنِّي يُغْضِبُكَ فَيُعَذِّبُنِي اللهُ.

وَأَنَا امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ وَأَنَا امْرَأَةٌ ذَاتَ عِيالٍ.

فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنْ غِيرتكِ فَإِنِّي أَدْعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُذْهِبَهَا عَنْكَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ فِي السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي» .

ثُمَّ تَزَوَّجُهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهَا وَاخْلَفَهَا خَيْرًا مِنْ أَبِي سَلَمَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>